كرونيك

الرذاذ الناقل للفيروس

منعت اليابان رواد الأفعوانيات، أو الرولر كوستر، من الصراخ خلال ركوب هذه اللعبة.

يهدف الإجراء، فيما يبدو، إلى تفادي انتشار الرذاذ الناقل لفيروس كورونا.

في السابق، اعتاد هواة الدوران السريع والمرتفعات الشاهقة والمخيفة أن يعبروا عن إثارتهم أو خوفهم بإطلاق صيحات جماعية عند كل منعطف، وبمناسبة كل سقطة نحو الهاوية.

بمكان أقرب، انفجر المرفأ، وانفجرت بيروت، ثم انفجر اللبنانيون غضبا وصراخا في شوارع المدينة.

الصراخ لا يخفف الألم. ولا يمنع الموت.

هو تعبير علني لما يقع بداخلك لا غير.

حين تقفز فجأة وتصدر صوت أنين رغما عنك وأنت تحت رحمة طبيب الأسنان، يطمئن صاحب البذلة البيضاء لنجاعة تدخله؛ لقد وصل إلى العصب المطلوب قتله أو علاجه.

لا يحتاج معظم المغاربة امتطاء الأفعوانيات لكي يصرخوا.

عند نهاية كل شهر، تتكفل فواتير الكهرباء والماء، وواجبات المدارس وأقساط القروض بقيادة جوقة أداء الصياح والصراخ  الفردي والجماعي.

في نفس الموضوع، جرت العادة أن يتحمل العشب الأخضر الناعم الممتد أمام البرلمان، أقدام مئات المحتجين ضد الحكومة ووزاراتها. تجمعات الصراخ والشعارات تضم أطيافا مختلفة تبدأ بمنتسبي التعليم وتنتهي بالحقوقيات والحقوقيون.

بل إن وزيرا سابقا حضر يوما ليصرخ في وجه المستهلكين المغاربة الغاضبين، ويساند ماركة فرنسية كبرى.

الشئ بالشيء يذكر، لا يحتاح أبناء دانون للصراخ، من مدرسة البعثة إلى مدارس وجامعات فرنسا، ثم تذكرة عودة إلى منصب جميل ومريح  داخل وزارات الوطن.

دانون منتوج هش وناعم لا يحتمل الأصوات العالية.

خارطة الاحتجاح تتمدد.

ظرف الجائحة أقفل مصدر رزق فئات عريضة من الفقراء. رغم توزيع الدعم المباشر.

يبدو أن أياما عصيبة تنتظر معظم المغاربة.

في زمن ما قبل كوفيد، دأبت الدولة على قبول الاحتجاجات مرغمة.

مرات عديدة، فقدت صبرها، ولجأت إلى الضرب والقوة لتفريق التظاهرات.

على بعد أيام من عودة مفترضة لأبناء المغاربة إلى المدارس وانطلاق الموسم الاجتماعي، لا يبدو أن الوزراء المعنيين بالاحتجاجات مهتمين بمبادرات الحوار.

لا شك أنهم يعولون على كورونا لتكميم الأفواه، حفاظا على الصحة العامة وعلى راحة آذانهم الحساسة.

حتى إشعار آخر، الاحتجاج والصراخ ممنوعان إذن.

اشتكى رواد الأفعوانيات في اليابان من القانون المجحف الجديد الذي يمنعهم من الصراخ .

تضمنت وصلات المنع  بالمنشآت الترفيهية جملة بليغة:

اصرخوا داخل قلوبكم.

قد نكون في حاجة ماسة، منذ اليوم، لتعلم الصراخ الصامت أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock