رؤى منطقية

أصل أوراق اللعب

خلال عام 1781، نشر أنطوان كورت دي جيبلين Antoine Court de Gébelin (1725- 1784)، وهو قس بروتستانتي سابق، كتابا بعنوان (العالم البدائي The Primitive World) حول أصول أوراق اللعب؛ باستخدام المفاهيم البدائية لتحليل الصور واشتقاق الكلمة، قال بأن أصل التارو Tarot (أنظر مقال: بطاقات "التارو") يعود إلى أصول صوفية بمصر قديما، قبل أن يصل إلى أوروبا.

ترجمة: وديع بكيطة (مترجم وباحث)

يعد هذا المقال “بطاقات “التارو”: النشأة والوظيفة” لوي منغرن Wu Mingren – الذي هو ترجمة للمقال الأصلي Before They Were Divination Tools, Tarot Cards Were Playing Cards لكاتبه وي منغرن Wu Mingren، والصادر بتاريخ غشت 22 2018 على موقع www.ancient-origins.net – مدخلا مهما للتعريف ببطاقات “التارو” “وأوراق اللعب”، والتي سبق وأنجز الباحث جوزيف ب. زومبيتي Joseph P. Zompetti من جامعة واين ستيت في ديترويت، ميتشيغن Wayne State University in Detroit, MI دراسة سيميائية مهمة حول رمزيتها ووظيفتها وعلاقتها بالثورة الفرنسية” قوة الرموز: التمثلات الإيديولوجية للثورة الفرنسية (في أوراق اللعب” (مجلة إضافات)، لذلك ارتأيت أن أترجم هذا المقال ليضاف إلى ترجمتي السابقة، وتكتمل بذلك بعض هذه المعارف لدى القارئ:

1ـ بطاقات “التارو”: النشأة والوظيفة

في أغلب الأحيان، ترتبط كلمة “التارو tarot” في اللغة الإنجليزية بالتنجيم والعرافة. وهي أقدم أشكال الكهانة، رغم أن أصولها تبقى غامضة لحد الآن. يبقى قارئ “التارو” حاضرا إلى الآن في حياة الناس، وهو يساعدهم على تجاوز ضغوط وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا.

أصل “التارو”

يُعرف التارو بأسماء مختلفة أخرى مماثلة، منها Tarock, Tarokk, Taroky, Taroc, Tarok, Tarocchi، أصول هذه الكلمة غير معروفة. تقول إحدى هذه الفرضيات أنها مشتقة من الكلمة العربية “طرَحَ taraha”، والتي تعني “رفض، طرحَ جانبا”. وقد عُرف التارو في السياق العربي بارتباطه بعهد المماليك (1250-1517م) بمصر، الذين كانوا يلعبونه، ويقال إن مصدره الصين، وتم جلبه إلى مصر، وقد انتشر بعد ذلك في أوروبا الغربية.

بطاقة لعب صينية مطبوعة، مؤرخة بـ 1400م، أسرة مينج، وجدت بالقرب من توربان، بقياس 9.5 × 3.5 سم.
بطاقة لعب صينية مطبوعة، مؤرخة بـ 1400م، أسرة مينج، وجدت بالقرب من توربان، بقياس 9.5 × 3.5 سم.

وفي فرضية أخرى، يقال إن التارو قد اختراع في شمال إيطاليا خلال القرن الخامس عشر الميلادي، بطلب شخصي من دوق ميلان سنة 1440م، والذي طلب عدة مجموعات من بطاقات “النصر” (يقال إنها مختلفة عن بطاقات “اللعب” العادية بسبب أوراق “النصر”). من إيطاليا، انتشر التارو إلى العديد من البلدان الأوروبية؛ الدنمارك، هنغاريا، فرنسا، ألمانيا، النمسا، حيث لا تزال الألعاب التي تتضمن هذه البطاقات تُلعب حتى اليوم. وقد اختلفت نوعية هذه الأوراق طبقا لخصوصية كل بلد، وتنوعت في زخرفتها وشخصياتها، وتباينت في عددها، مثلا، توجد مجموعة عددها 62 بطاقة، وأخرى 78 بطاقة، وأخرى تصل إلى 97 أو 98 بطاقة.

يُطلق على هذه البطاقة اسم "الساحر The Magician"
يُطلق على هذه البطاقة اسم “الساحر The Magician”

رغم هذا التباين، توجد عناصر مشتركة في أوراق التارو؛ مثلا، المجموعة المكونة من 52 بطاقة، والتي تعرف انتشارا واسعا، تحتوي على أربع بدلات عادية. اثنتان هما أكثر البدلات شيوعا، البدلة الفرنسية والإيطالية، تحتوي الأولى على ألماس، وقلوب وبستوني، وهراوات، بينما تحتوي الثانية على عملات معدنية وأكواب وسيوف وهراوات.

العنصر المشترك التالي هو مجموعة من 21 بطاقة خاصة تُعرف باسم الأوراق الرابحة. التارو هي واحدة من أقدم ألعاب الورق التي تم إدخال مفهوم الأوراق الرابحة فيها. في البدلة الفرنسية، غالبا ما يتم تصوير الصور الموجودة على الأوراق الرابحة على أنها “مشاهد عشوائية لأشخاص يعلمون أو يلعبون، أو حيوانات فعلية أو أسطورية، أو مناظر طبيعية لمواقع إقليمية”.

الرموز على البطاقات

بالنسبة للمجموعة الإيطالية، يُقال إن الصور الموجودة على الأوراق الرابحة تختلف من بطاقة لأخرى. ورغم ذلك، فإنها تشمل شخصيات مألوفة مثل البابا، الساحر، الامبراطور، العاشق، الموت. بالنسبة لأولئك الذين يستخدمون بطاقات التارو للعرافة، عادة ما يُنظر إلى هذه البطاقات على أنها ذات معنى رمزي.

تعكس هذه الأوراق جوانب مهمة من حياة القرون الوسطى، أي “العالم الحقيقي والفعلي للاعبيها”، بدلا من النزعة الصوفية. وهي تمثل “رمزية مسيحية بارزة”، نظرا لهيمنة هذه العقيدة آنذاك.

العنصر المشترك الثالث هو بطاقة خاصة تسمى “الأحمق fool” أو “العذر excuse”. في المجموعة الفرنسية، غالبا ما يتم تصوير هذه البطاقة كنوع من الترفيه، مثلا، مهرج أو موسيقى. في حين أن الصورة تشبه “الجوكر” في المجموعة المعيار المكونة من 52 بطاقة، إلا أنها لا ترتبط تاريخيا بها.

بطاقتان مستنسختان من Pierpont-Morgan Bergamo and Visconti-Sforza، مؤرخة بـ 1420م.
بطاقتان مستنسختان من Pierpont-Morgan Bergamo and Visconti-Sforza، مؤرخة بـ 1420م.

يقال إن بدايات استخدام التارو كوسيلة للعرافة، قد بدأت في عام 1781، وتُنسب إلى رجل فرنسي اسمه أنطوان كوردت دي جيبلين Antoine Court de Gébelin. اعتقد كورت أن الصور الموجودة على البطاقات، وخاصة في المجموعة الإيطالية، تعود في أصولها إلى مصر القديمة، وأن المعرفة الصوفية كانت متضمنة ومشفرة فيها. منذ ذلك الحين، استمر تطوير فكرة استخدام التارو للعرافة، واستمر ذلك لقرون.

نسبت بعض الفرضيات بطاقات “التارو” إلى أصول صوفية، وهي بذلك تتجاوز الفكرة القائلة بأنها في الأصل قد استخدمت كلعب ورق. وفي فرضية أخرى، نُسبت بطاقات “التارو” إلى “ابتكار من خيميائيي القرن الثالث عشر”، والتي احتوت على “صور خيميائية مخفية” و”نصوص هندية مقدسة” و”تقاليد عبرية” و”رموز لأولياء الصوفية” و”العلم الناجي من وسام فرسان الهيكل”.

العربة Le Chariot، من مجموعة "تارو" نيكولا كونفر Nicolas Conver سنة 1760م.
العربة Le Chariot، من مجموعة “تارو” نيكولا كونفر Nicolas Conver سنة 1760م.

شعبية “التارو”

تشهد بطاقات “التارو” شعبية كبيرة مع الجيل الجديد؛ فقد ذكرت صحيفة التلغراف في تقرير لها بأن الشباب يقبلون بشكل متزايد على “التارو”، من أجل معرفة كيفية تعاملهم مع المستقبل غير المؤكد. وقد أكدت قارئة “التارو” سوزان كوربي Suzanne Corbie، والتي أجري معها اللقاء، بأن جيل الألفية أًصبح “مهتما بالاختيارات في حياته المهنية ويريد تحقيق إمكاناته، لذا، فهو يبحث عن طريق لذلك”.

2ـ الأصول الشرقية لأوراق اللعب

(كنجيفة وإيزي الحادي عشر)

Oriental Origins of Playing Cards: Ganjifeh And Yezi Xi

https://www.ancient-origins.net/premium-preview/cards-0016903

في عام 1392 بفرنسا، سجل تشارلز بوبارت Charles Poupart، أمين صندوق الملك تشارلز السادس (1368-1422)، دفعة لرسام باريسي يُدعى جاكمين غريغونور Jacquemin Grigonneur لطلاء ثلاث مجموعات من البطاقات بتكليف من الملك من أجل التسلية. بعد مائتي عام، في القرن السابع عشر، أبقى الكاردينال مازارين Cardinal Mazarin، وزير المالية للملك الفرنسي لويس الرابع عشر (1638- 1715)، الخزانة الملكية بأمان بعيدا عن الديون، بتحويل قصر فرساي إلى كازينو عملاق للعب الورق.

في عام 1781، نشر أنطوان كورت دي جيبلين Antoine Court de Gébelin (1725- 1784)، وهو قس بروتستانتي سابق، كتابا بعنوان (العالم البدائي The Primitive World) حول أصول أوراق اللعب؛ باستخدام المفاهيم البدائية لتحليل الصور واشتقاق الكلمة، قال بأن أصل التارو Tarot (أنظر مقال: بطاقات “التارو”) يعود إلى أصول صوفية بمصر قديما، قبل أن يصل إلى أوروبا.

ألهم كتاب “العالم البدائي” أحد أهم من عرف تاريخيا بالتنجيم عبر التارو، وهو جان بابتيست ألييت  Jean-Baptiste Alliette، والذي اختار كلقب له اسم “إثيلا Etteilla”، لأنه لقب أكثر جاذبية وغرابة. نشر ألييت Alliette مجموعة من أوراق اللعب تحت اسم “التارو Tarots” سنة 1785م.

أوراق اللعب: ألمانش، (القرن السابع عشر)
أوراق اللعب: ألمانش، (القرن السابع عشر)

عرفت أوراق اللعب شعبية كبيرة في فرنسا. بداية من سنة 1379، انتشرت أيضا في إيطاليا وعرفت باسم “نائب naibi”، نَائِب : كلمة أصلها الاسم (نَائِبٌ) في صورة مفرد مذكر وجذرها (نوب) وجذعها (ناءب)[1]. ظهرت مجموعة أخرى من أوراق اللعب عرفت بـ”بطاقة شتوتغارت  Stuttgart deck” ذات رسومات مذهبة تتعلق بالصيد والقنص البري، تعود إلى حوالي سنة 1430م. وفي أربعينيات القرن الرابع عشر، ظهرت مجموعة أخرى برسومات مماثلة “مجموعة بطاقات “أمبراس Ambras”، ونُسبت إلى نحات الخشب السويسري كونراد ويتز Konrad Witz.

مجموعة بطاقات شتوتغارت، منطقة بازل، حوالي سنة 1430مLandesmuseum Württemberg (1rhb / CC BY-SA 4.0)
مجموعة بطاقات شتوتغارت، منطقة بازل، حوالي سنة 1430م
Landesmuseum Württemberg (1rhb / CC BY-SA 4.0)

مجموعة بطاقة كنجيفة  

وجدت نظريات عديدة حول أصل أوراق اللعب، كل منها يستند على تاريخ معين. يزعم السير مايكل دوميت Sir Michael Dummett (1925- 2011)، أستاذ المنطق، أن نموذجا أوليا من 48 بطاقة بأربع بدلات، كل منها بعشرة أرقام ومحكمتين، ربما كانت موجودة عند الفرس أو بآسيا الوسطى. يشير الفرس بالفارسية إلى هذه المجموعة باسم كنجيفة Ganjifeh وهي كلمة مركبة من “كنج” بمعنى “كنز”.

(نائب) https://www.almaany.com/en/dict/ar-en/  .[1]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock