لا إكراه في الرأي

على هامش ضجة -ولاد يزة-

ليست رقابة على الأعمال الفنية وضربا لمبادئ حرية الابداع والنقد باعتبارهما أساس العمل الفني بكل أصنافه بشكل خاص والعمل الاعلامي بشكل عام...

ذ. محمد شاهين/ باحث في الشأن التربوي – فاعل نقابي

في ضوء السجال والنقاش المجتمعي الدائر خلال هذه الأيام مع بداية شهر رمضان المبارك حول موضوع الضجة التي أثارها إيداع أحد المسلسلات التلفزية الدرامية الرمضانية التي تبث على القناة  العمومية الأولى -سلسلة ولاد يزة- التي تتضمن بعض حلقاتها مشاهد وأدورا تراها شريحة واسعة من المجتمع المغربي وفي مقدمتها الأسرة التعليمية بكل فئاتها على أنها مشاهد مسيئة ومستفزة لا ترقى للذوق العام المطلوب من طرف المتتبع والمشاهد المغربي، كما أنها  هي الأخرى مشاهد تهدف إلى المس بقيمة وكرامة المدرس والمعلم ومربي الأجيال وصورته المثلى لدى مخيال المجتمع المغربي من خلال امعان هذه المشاهد المزعومة في تحقيره والسخرية منه والتنقيص من قدره ومكانته الاعتبارية داخل المجتمع ، وذلك في تجاوز مفضوح  لكل أدبيات النقد والابداع المطلوبة في الأعمال الفنية التي يجب أن تراعي في بنائها وإنتاجها الشعور والذوق العام للمجتمع المغربي بهويته الثقافية والفكرية والدينية الذي يعتبر المعلم والأستاذ رمزا للقدوة وينبوعا للعلم والمعرفة وحاملا لمشعل التنوير ورفع الجهل، سيما وأن هذا الهجوم والاستهداف المزعوم ليس الأول من نوعه منذ سنوات، وكأن الانتاج الفني والدرامي للأفلام والمسلسلات والبرامج الفنية لن يكون وينجح دون تجسيدها لأدوار تحط من قيمة المدرس والمعلم وكرامته وتصوره بوضعية كاريكاتورية أبعد من أن تكون لها منهلا من الواقع أو الخيال من خلال مشاهد تحمل مدرسا بالبادية يضع قراريص لنشر الغسيل على أذنه وشعره ووجه وبلباس رثة وغيرها من المشاهد الأخرى التي تتنافى كما سلف الذكر والذوق العام والشعور المجتمعي بعيدا عن مبادئ وأدبيات حرية النقد والإبداع الفني.

فإننا نعتبر  النقاش حول هذا الموضوع وما رافقه من امتعاض ورفض لهذه المشاهد التي كما تمت الإشارة إليها يعتبرها جزء كبير من المجتمع غير مقبولة وتحط من قدر المدرس وقيمته الاعتبارية داخل المجتمع، ليست رقابة على الأعمال الفنية وضربا لمبادئ حرية الابداع والنقد باعتبارهما أساس العمل الفني بكل أصنافه بشكل خاص والعمل الاعلامي بشكل عام، وإنما فقط محاولة تنبيه واحتجاج على هذه المشاهد المحددة التي نعتبرها نحن كأسرة تعليمية ومعنا فئة واسعة من أفراد المجتمع تجاوزت الذوق العام المطلوب للجمهور المغربي وفيها مس بصورة المعلم والمدرس، سيما وأن هذه الأعمال الفنية موجهة للمغاربة خصوصا الأطفال الذين يتابعون هذه المسلسلات والقنوات الإعلامية بما تشكل  أحد أدوات التنشئة الاجتماعية لهم وبناء معرفتهم  إلى جانب المدرسة  باعتبار  أن للإعلام دور كبير في التنشئة الاجتماعية، مما قد تتشكل لهؤلاء الأطفال باعتبارهم جيل المستقبل صورة سلبية عن المدرس ودوره ومكانته داخل المجتمع.

وفي هذا السياق، ونظرا لدور المدرس والمعلم داخل المجتمع ومكانته الرمزية سارعت أغلب شرائح المجتمع إلى التضامن معه من خلال رفض هذه المشاهد المسيئة للمعلم التي تبثها سلسلة ولاد يزة بعيدا عن منطق الرقابة على حرية النقد الابداع الفني وإنما بمنطق الدفاع الأخلاقي عن بوابة بناء المجتمعات والأوطان وقاطرة تقدمها وازدهارها وهي الأسرة التعليمية  التي تراها كل شرائح المجتمع بأنه لم يعد بالإمكان الحط من قيمتها أو التنقيص من قدرها ومكانتها الرمزية داخل المجتمع بأي وسيلة أو طريقة كانت، وفي هذا السياق تقدمت العديد من الفعاليات والهيأت المدنية والحقوقية والسياسية بما فيها النقابات التعليمية بالقطاع برسائل احتجاج إلى الهيأة العليا للاتصال السمعي والبصري قصد التدخل العاجل لوقف عرض هذه السلسلة وغيرها من الأعمال الفنية الأخرى الحاطة من قدر المعلم والمدرس وكرامته ومكانته داخل المجتمع، وكذا تقديم اعتذار رسمي للأسرة التعليمية وللمجتمع المغربي مع اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع تكرار هذا الأمر، والعمل في المستقبل على انتاج وصناعة أعمال فنية تستجيب للذوق والشعور العام للمجتمع والمشاهد المغربي بما يحترم عقولهم ويثمن كل المهن والوظائف الأساسية داخل المجتمع وفي مقدمتها مهنة التربية والتعليم، وبما يبرز دورها ومجهوداتها في نشر المعرفة والعلم وبناء الأجيال ونهضة الأمم وتقدمها في احترام تام لحرية النقد والابداع الخلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock