رؤى منطقية

التاريخ والذاكرة

يظل هذا الصراع الحالي الآن (الذي بدأ يوم 24 فبراير 2022) على الأراضي الأوكرانية بين الفيدرالية الروسية والولايات المتحدة الأمريكية حدثا يحتمل تأويلات وتحليلات عدة، تختلف باختلاف وجهة النظر المرتبطة بالفهم الدقيق لجذور هذا الصراع وأصوله وغاياته المتغيرة

وديع بكيطة

يستند مؤرخ الأفكار في تحليله للراهن أو الواقع على نصوص تراثية، تتساوق بعض هذه المقتطفات أحيانا مع ما يقع، أو قد تضيء جانبا من قوانين السيرورة البشرية (حروب، صراعات، تحالفات، صداقات …)، أو قد تساهم في تقديم تأويل وفهم مختلف للأحداث، لأن الذاكرة البشرية هي مجموع خبرات، تأويلنا للواقع ينبني عليها.

يظل هذا الصراع الحالي الآن (الذي بدأ يوم 24 فبراير 2022) على الأراضي الأوكرانية بين الفيدرالية الروسية والولايات المتحدة الأمريكية حدثا يحتمل تأويلات وتحليلات عدة، تختلف باختلاف وجهة النظر المرتبطة بالفهم الدقيق لجذور هذا الصراع وأصوله وغاياته المتغيرة.

يمكن أن نستدعي من الذاكرة السياسية هذا المقتطف، الذي يبين مدى التشابه والتطابق في جزء من الذاكرة الإنسانية، يقول مكيافيلي (ق 15) في كتابه “الأمير”: “اتبع الرومان دائما هذه السياسة فيما سيطروا عليه من ولايات. فقد أقاموا المستعمرات. وأقاموا علاقات حميمية مع الدول الضعيفة المجاورة دون السماح لها بمزيد من القوة، وأضعفوا الدول القوية ولم يسمحوا للحكام الأجانب بالسيطرة عليها. وسأضرب هنا مثلا بولاية الإغريق حيث أقام الرومان صداقة مع “الآخيين والأيتوليين”، إلا أنهم لم يسمحوا لهم بالتوسع في الإقليم. كما أنهم أضعفوا مملكة مقدونيا وطردوا “أنتيوكس”. ولم يفلح صديقهم “فيليب” في استمالتهم له دون أن يضعفوا نفوذه. كما لم تغرهم قوة “أنتيوكس” بالموافقة له على السيطرة على أي ولاية في المنطقة”. (مكيافيلي. الأمير:27).

يوضح هذا المقتطف ما يقع الان بشكل دقيق؛ بشرط أن تضع بدل كلمة “رومان” كلمة “الولايات المتحدة الأمريكية”. وبدل “الدول القوية” نضع كلمة “روسيا” أو “الصين”، وبدل “الاخيين والأيتوليين” نضع “الأوربيين” أو “الخليج العربي”. وبدل “فيليب” نضع بعض الرؤساء من مثل “ماكرون” أو رؤساء آخرين الذين لهم علاقة معها.

تتوافق السياسة الأمريكية مع ما ورد عند مكيافيلي، كما أن العديد من التقارير والتصريحات السرية أو المعلنة قد أقرت هذا الخط الدائم للمكيافيلية في سياسة هذه القوة العظمى حتى الآن.

يقول تيري ميسان بموقعه على شبكة فولتير، بأن: “السّتراوسيّين، منذ تقرير بول ولفويتز عام 1992م يعتبرون الاتحاد الأوروبي هو غريمٌ أخطر على الولايات المُتّحدة من روسيا … وأن السّيدة فيكتوريا نولاند وسفير الولايات المُتّحدة، في محادثة بينهما، قد اعلنت له أنّها تنوي “نكح مؤخّرة الاتحاد الأوروبي”. (تيري ميسان. التوترات تتصاعد (10). 8 آذار (مارس) 2022). الأمر الذي يفيد مدى أهمية هذا الاستدعاء النصي لفهم الراهن السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock