كرونيك

سافر من أصغر مخفر شرطة في الرباط

أنت تقف الآن أمام أحد أصغر مخافر الشرطة بالعاصمة الرباط.

يطلق عليه عامة الناس مركز غاليلي. لا أعرف سر التسمية.

ربما نسبة لعالم الفلك الإيطالي غاليلي غاليليو.

قد تكون العلاقة الوحيدة بين الاسم والمسمى هي النجوم التي تزين زي ضباط الشرطة لا غير.

أمامك مباشرة شارع لكزا أو الجزاء. يبدو لامتناهيا. سيقودك إلى البحر.

لا تستعجل.

عليك أولا أن تعتاد صيحات باعة الرصيف التي لا تنتهي. أرضية المكان سجاد مزركش بالبضائع.

ملابس رخيصة تجاور أدوية أفريقية غامضة وبينهما بائع لعب أطفال سادي يتسلى بدموع صغار وصغيرات يتوسلون أمهاتهم طلبا لسلعته.

في الخلفية، طابور محبي آكل الشارع. يصطفون وراء كؤوس العصير المتنوعة وحلوى ينتزعها مالك المحل، بلطف، من قبضة نحل يستوطن المكان بإصرار.

تنحى جانبا وإلا صدمتك عربات مجرورة تحمل رزم سلع تمر ذهابا وإيابا. يحذرك أصحابها بكلمة واحدة؛ بالاك.

رائحة الحلوى التقليدية والبيتزا والنقانق الرخيصة تدغدغ أنفك. يستعرض باعة الأقراص الرقمية صور نجوم أفلام الحركة من الهند حتى هوليود. اختفت قاعة السينما القديمة وتلاشت معالمها.

الألوان زاهية والأصوات بهية.

هكذا هي سويقة الرباط القديمة. لا يهم إذا كنت تعشق أكلة الحلزون الغارق في ماء ساخن منسم، أو وصفة اللحم المفروم والبيض، ستجد ما يناسب جوعك بين أزقتها.

عليك أن تبحث عن دكان الكتب المستعملة. فتش بين روايات المنفلوطي وعبد الرحمان منيف عن ما ترتاح إليه النفس، ديوان شعر لمحمود درويش أو رواية مبهمة لأمين معلوف تدور أحداثها في أصقاع  لم تسمع بها قبل.

سوق المستعملات يتحصن داخل أزقة لا تصلها أشعة الشمس. تأخذك معروضاته في رحلة عبر الزمن.

تذكرك أجهزة الهواتف القديمة، قبل انتشار المحمول، بعصر آخر. انتهى الأمر بها مرمية على الرصيف بعد أن تخلى عنها علية القوم.

كانت رمزا للتباهي.

صارت مهملة وحزينة كشاعر مفلس فقد إلهامه.

شرائطُ موسيقى قديمة وأسطوانات تتحسر على انقراض الذوق الرفيع وأصحابه.

لوحات رسامين مغمورين تنتظر عاشقا للفن يخرجها من هنا.

تسرع مغادرا بعد أن حاصرتك نوستالجيا سنوات لن تعود أبدا.

بعد أعوام من اليوم، سترجع إلى هذا المكان، لا محالة. لا تنسى أن تحكي لأطفالك أو أحفادك قصة كومة الأقنعة المعروضة للبيع ربما في نفس المكان.

كتب غاليلي من داخل سجنه الشرفي بمدينة فلورنس؛ لقد عشقت النجوم لدرجة أنني لم أعد أخاف الليل .

رغم الأبواب المقفلة، يظل باب السفر والتيه مفتوحا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock