في التخلف
ظهر هذا المصطلح ودخل مجال التداول مع الصدمة الاستعمارية الأولى على مصر (حملة نابوليون) حيث ظهر التفوق الغربي علينا في جميع المجالات الحياتية من أدب وفن وتقنيات وفن العيش والسياسة…إلخ. وكان لاحتكاك العديد من الأدباء والمفكرين العرب وغير العرب بالحضارة الغربية أثرا بليغا في نفوسهم، فظهر جيل رواد النهضة العربية الذين حاولوا تلمس أعطاب مجتمعاتنا الغارقة في العادات والتقاليد، فكان كتاب “طبائع الاستبداد” للكواكبي محاولة لتفكيك أثر النسق السلطوي على تأبيد حالة الجمود في مجتمعاتنا وتبعه آخرون أمثال رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني…إلخ.
حالة الجمود التي سادت ولازالت تسود مجتمعاتنا هي حالة مرتبطة بالنسق العام الذي هيمن على الدولة والمجتمع لقرون، هذا النسق الذي تشكل فتوى الفقيه أحد ركائزه الأساسية في تدبير الحياة اليومية للإنسان وفق رؤيا تجمع بين مباركة السلطة من طرف أهل الحل والعقد وتشريع متخلف للأحوال الشخصية .
وحاول رواد النهضة العربية تفكيك هذا النسق وذلك بمسائلة التراث وطرح أفكار تجديدية مثل طه حسين ومحمد عبده وآخرون، لكن قوة التيار المحافظ المسنود من متطرفي الأزهر وباقي المراكز الإسلامية والسلطة السياسية أفشلوا هذه المحاولات بسيف التكفير .
لكن هذا الصراع الثنائي تقليد/حداثة هو في الحقيقة صراع بين الاستبداد والتحرر، فالتقليد هو تيار سياسي وثقافي واجتماعي يحاول وقف أي عملية تغيير جوهرية في هذا النسق العام المهيمن والحاضن للاستبداد كما أن الاستبداد يحافض عليه في جدلية متناغمة في خط الزمن و داخل مفاصل المجتمع حيث يلعب اقتصاد الريع ركن اساسي في الهيكل الاقتصادي.
كما أن حاملي مشعل الحداثة هم من يريدون هدم وتفكيك هذا النسق لبناء مجتمع منفتح على القيم الكونية بأبعادها الثقافية والسياسية والاجتماعية.
وهذه الحركة التنويرية أخرجت التراث من الرفوف المنسية ووضعته تحت النقد والمساءلة.
والتنوير هو خروج الإنسان من حالة القصور والعجز الذي تستكين إليه ذاته في حياته اليومية، وهذا القصور والعجز سببه عدم قدرة الذات على استخدام فهمها وعقلها دون توجيه من الغير.
وهدا القصور والعجز، راجع إلى الذات نفسها والسبب لا يكمن في غياب الذكاء والإدراك، بل في غياب العزم والجرأة على استخدام العقل دون توجيه من الاخر حفاظا على هذا النسق الجاثم على جغرافيتنا منذ قرون.