لا إكراه في الرأي

في مستوى العلاقة ومنظور المساواة بين الرجل والمرأة

عثمان أوبريك

على الرغم ان يتم الحديث المساواة بين الجنسين في اطار القانون والحقوق والحريات، لكن أشير هنا إلى تفاوت درجات المساواة تلك إلى الخلل الذي تعرفه العلاقة بين الجنسين، انطلاقا من ظواهر اللامساواة في الحقول المتعلقة بالحياة الواقعية اليومية والعملية منها مسألة التربية الاجتماعية، العادات والتقاليد، اطار المفاهيم و القواعد الاجتماعية التي يتم العمل بها، مما يؤثر على طبيعة العلاقة بين الجنسين بشكل ملحوظ مما يكرس التمييز ظواهره عن طريق التفريق في المعاملات الاجتماعية ومحدودية الاختلاط بين الجنسين نظرا للأفكار المسبقة التي يتشبع الانسان عن الجنس الأخر سواء رجل أو امرأة وفق لتلك المفاهيم الثقافية والفكرية والاجتماعية التي يتم تلقينها.

خصوصا أصل المشكلة هو وجود تنافر وحدود بين الجنسين تجاوزت حدود العلاقات الانسانية الطبيعية، لأن في التربية الاجتماعية يتم تربية الذكور بشكل مغاير تمام عن تربية الاناث، على الشاكلة التي يحاول المجتمع تصويرها وترسيخها، بشكل متهافت ومتفاوت بشكل واضح في العنصر المكونة لشخصية الانسان الجسد، العقل، العاطفة، المشاعر، النفس، والروح، رغم ان يجب مراعاة تلك الجوانب بشكل متواز ومتساو بغض النظر عن الجندر، لأننا نتحدث هنا عن الانسان في شموليته ليس التفريق بين الجنسين فقط على أساس الاختلاف في الجوانب والوظائف الفيزيولوجية والجانب الشكلي الظاهري عند كل واحد منهما لأنها لا تشكل سوى الفرق الشكلي والوظيفي الذي هو أصلا مكمل لكلا الجنسين، ولا يؤثر ذلك الفرق في الكينونة الانسانية، ان نظرنا إلى منظومة التربية المتهافت بينهما سنلاحظ ان لا نفع لها سوى في تكريس الصورة والأفكار النمطية حول “الرجولة” أو “الذكورة” التي تكرس للصورة النمطية للرجل عن طريق استحضار جانب الصرامة، القوة، السيطرة والعقلانية والحزم وتغييب جانبي العاطفة والشعور والعفوية والإحساس ،و”النسوية” أو “الأنوثة” بتغييب جانب العقل والصرامة والحزم والعقلانية (لكن في حاليا صار يظهر مع باقي العنصر الأخرى نوعا ما في عصرنا الحالي نظرا) وإظهار جوانب العاطفة والشعور و العفوية والاحاسيس ، بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى التفرقة الجندرية بين الجنسين على المستوى الاجتماعي والثقافي.

يظهر ذلك في ظاهرة اللامساواة والكيل بمكيالين في أشكال وطرق التواصل والتعبير وتصريف الأحاسيس والمشاعر والأفكار، فقط على أساس الجندر، هذه المقاربة غير عادلة وغير منصفة بحق كلا الجنسين، نظرا لما يتسبب في التفرقة بينهما واختلال في مستوى العلاقة بينهما، باختزال النظر إليها من جانب الاختلافات البيولوجية والفيزيولوجية والجسدية التي ليس سوى فروق وصفية وتكاملية وظيفية لا يحمل دلالات ومعاني تدل على التباعد التام بينهما أو حتى الاختلاف الجدري، وحتى الاستعانة بالاختلاف في الأدوار الجسمية والاجتماعية والثقافية غير صحيحة، لأن ذلك المنظور مبني على أسس سطحية ووصفية للغاية لا يجوز اصلا استعمالها كمعيار للتفريق بين الجنسين الذي سيتسبب في تغييب الأصل الطبيعي الذي هو الإنسان ككائن واحد يتمتع بالحياة.

ويتكون من عقل، روح، فكر، عاطفة، شعور، احساس ووجدان، ذو توجه فردي ذاتي واجتماعي لا يقبل الاختزال مهما كان مبرره، مع العلم ان ما يجمع الذكور والإناث هو الرابط الانساني الذي هو أهم وأعم من جزئيات الاختلافات الوصفية ، فمن الصواب مراعاة كل تلك المكونات الداخلية للانسان بشكل متكامل ومتساوي ومتواز بغض النظر عن الجندر.

نتاج عن تصوير الرجل بصفات السيطرة والقوة والعقل ،تصوير المرأة بصفات العاطفة والأحاسيس والمشاعر على مستويات المفاهيم والمعتقدات الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية والدينية، العادات والتقاليد المتوارثة، ومنظور الأخلاق والقيم عامة، تسبب في خلق فجوة بين الجنسين، ما ادى إلى حدوث تنافر والتفريق بينهما، حتى على مستوى العادات والتقاليد التي كان ومازال بعضها تقوم على منع الاختلاط او تحديده في نطاق حدود معينة وفق لتطور المجتمعات خصوصا في عصرنا الراهن، انطلق منظور التفريق تلك من العصور القديمة خصوصاً مع بداية ظهور الانسان حين كان كلا من الجنسين يؤدي مهمات محددة انطلاقا من سياق تدبير شؤون الحياة، اي حين كان عامة الرجل يصطاد ويبحث عن لقمة العيش به ولزوجته وأبنائه لهذا احتاج إلى القوة والصرامة والحزم ليحقق هدفه ، وكانت المرأة تهتم لشؤون البيت وتربية الأولاد نظرا انهم من حملها فاحتاجت إلى الاتصاف باللطف والاحساس والحنان والعاطفة لتساعد أطفالها على ان ينمون بشكل متوازن وطبيعي نظرا لما يحتاجونه للعطف و إنماء الجانب النفسي والعاطفي عندهم مع العمل في جمع الفواكه والخضروات، هذا يرجع لسياق ومتطلبات لوقت ومرحلة تاريخية معينة، حين تقاسم الزوجين المهام والأدوار بينهما في تلك المرحلة الزمنية هي لغرض تدبير الحياة وشؤونها، ولس تبريرا للتفريق بينهما بتقزيم الموضوع على أساس الاختلافات الجسدية والوصفية بينها، لأن في الحقيقة لا وجود لفروق جدرية بين الجنسين لا من ناحية الجوانب المكونة للانسان كاملة، وهذا ما تم أظهره خلال مراحل مختلفة عبر التاريخ خصوصا خلال القرون الأخيرة حين صارت المرأة تخرج للعمل وتعيل شؤون الأسرة في جانب الرجل وتتساوى معه في مستوى شتى جوانب الكفاءات المختلفة، مختلف تجارب الإنسانية ومسارات حياة العديد من الأشخاص، يتم إثبات أن الصفات كالعقلانية، الفكر، الصرامة، الصبر، القوة، السيطرة، الرزانة، العاطفة، الاحساس، المشاعر، الاحتياج للمساندة والدعم، الاحتياج للانتباه، الحاجة للاستماع، النفسية وغيرها، هي مواصفات شخصية إنسانية عامة ذو طابع كوني لا تقبل الاختزال والتقزيم واي تصورات منمطة تخدم رغبات فردية او لمعتقدات معينة، فأمثلة على ازدواجية المعايير تلك تتجلى في :

انعدام وجود تكافؤ فرص مشتركة لكلا الجنسين معا سواء في الشغل وفي التعليم وفي درجة التمتع بكامل الحقوق وأداء الواجبات.

اختصار عمل المرأة في مجال الأعمال المنزلية والعائلية، والرجل في مسألة العمل بأحد المجالات المختلفة الذي يلقى مقابله المادي ليعيل الاسرة رغم ان تلك الأعمال هما أساسي لهما معا ليس لها علاقة بالجندر اصلا بل هي كلاهما معنيين بهما.

الإنكار على الرجل تصريف أحساسيسه ومشاعره رغم ان بالنسبة للنساء فالمجال مفتوح للتعبير الحسي والمشاعري

التقليل من شأن رجل يبكي رغم بالنسبة للنساء فالأمر “عادي” جدا

التفاوت والتمييز بين الرجال والنساء في أشكال التحية (التحية بالقبل أو بالرأس أو العناق بين النساء وحدهم والرجال وحدهم، المصافحة بالأيد بالنسبة مابين الرجال والنساء) رغم ان يجب ان كل أشكال التحية ان تكون على قدم وساق مسموح بها ومتاحة بين كلا الجنسين مع بعضهما البعض
تحديد أشكال “خاصة” بالرجال والنساء في مسألة التفاعل الاجتماعي

اختصار الحديث عن التحرش الجنسي فقط ضد النساء كضحايا، دون ذكر الحالات التي كان الرجال ضحيتها، رغم ان التحرش هو سلوك مرفوض بشكل عام وقاطع بغض النظر عن الجندر.

المنع على الفتاة بحرية الخروج إلى الشارع مقارنة بالذكور الذين يسمحون لهم الخروج إلى الفضاء الخارجي وتكوين علاقات اجتماعية جديدة

في حين وقوع حوادث التحرش الجنسي يتم صرف النظر عن الرجال المتحرشين ولوم المرأة الضحية ل”تبرجها” وهذا مس بحق في اللباس

في حين وقوع حوادث التحرش الجنسي يتم صرف النظر عن النساء المتحرشات وتقليل من شأن الرجال الضحايا بنوع من سمة العار ونقص في “الرجولة” وربطها ب”ضعف” في شخصيته

التضييق على حريات النساء رغم ام الرجال يتمتعون بجانب هامش من الحريات

عدم مشاركة تبادل المعانقة والمشاعر بين الجنسين في نفس السياق الا نادرا

عدم التعامل بنفس أشكال التعبير عن الاحاسيس أو نفس درجات مدى المسافة الشخصية بينهما

السماح بوجود مشاركات خاصة بالنساء وحدهم دون عن الرجال وحدهم، على الرغم أن كل المشاركات دون استثناء يجب ان تكون انسانية مختلطة إلزاما دون وضع اي فجوة فيها

وغيرها الكثير من الحالات التي تعتبر معبرة عن مدى تأثير الفصل والتفرقة الجندية وعدم التعامل في نفس المعايير، مما يؤدي إلى تركيب نوع من المسافات المبالغ فيها من ناحية العلاقة بين الجنسين لا الحاجة إليها وهي أصلا لا علاقة بالحدود الطبيعية التي يجب ان تكون في العلاقات الانسانية بشكل عام.

لنختم من اجل ضمان مساواة تامة في العلاقات والتفاعلات بين الجنسين على ارضية مشتركة واحدة يجب ان تكون نفس المواصفات الانسانية منطبقة ومتاحة للجميع بغض النظر عن الجندر، واعتبارها علاقات انسانية لا “بين جنسين” بشكل، ولا “من نفس الجنس” بشكل آخر، دون اي نوع من التحييز والمفاضلة.

للحديث بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock