كرونيك

… وبين التعليم عن بعد والإعلام قرابة دم لا تخطؤها العين..!

من فوائد التعليم عن بعد، قدرته على الانتشار بين الجمهور الواسع. هكذا، تحول معظم مدرسي المغرب إلى مراكز بث مصغرة. بفضل كاميرات الهواتف، تناقلت أعداد لا بأس بها من الطلبة والتلاميذ، صورا وأشرطة قصيرة تحمل شروحات ودروس مقررة.

يتذكر جيل السبعينات أيضا نوعا خاصا من التعليم عن بعد، كتيبات مصورة لتعليم الصلاة منتشرة على رفوف المكتبات يقتنيها الراغب في إتقان ترتيب الوضوء وكيفية أداء الصلاة.

وبين التعليم عن بعد والإعلام قرابة دم لا تخطؤها العين. فالأول ينقل المعلومة والشرح والثاني ينقل الحدث والتعليق.

والحقيقة أن استعمال الصور من أجل التواصل أو من أجل التأثير، هي من صلب مهام الإعلام.

وقد تتحول إلى  بروباغندا، حين تكون الصور مضللة غايتها إشهار أفكار ومعتقدات تجانب الحقيقة والصواب.

الفرق بين الإعلام والبرباغندا يصنعه التاريخ وخواتم الأحداث.

أتذكر مادة إعلامية لابن الزعيم الليبي القذافي وهو يستعد لامتطاء سيارة عسكرية تحت هتافات أنصاره. لم ننتظر كثيرا لنشاهد صورته مرة اخرى وهو  مكبل اليدين، صاغرا أمام من اعتقلوه.

لم تنفع صور النصر المزيفة التي عول عليها لإقناع العالم انه لا زال يسيطر على الوضع. كانت مجرد بروبغندا تافهة وبليدة.

حتى في أقدم الديمقراطيات، يرضخ كبار المسؤولين لمتطلبات حملات التأثير على الناخبين. فمنهم من يقف بثقة بملابس رياضية أنيقة ليفهم متتبعيه أنه بصحة جيدة ولياقة عالية. آخرون يفضلون تجمعات عائلية، تضم أناسا وكلابا أو قططا لإقناع الناخب بجانبهم الأبوي وحمايتهم لقيم العائلة والرفق بالحيوان.

قد تجد أيضا موضة قديمة لزعماء سياسيين يحملون قطعة سلاح أو يجلسون وراء أدوات وأزرار القيادة في مقصورة طائرة حربية.

القصد هو إيهام المستقبل، بكسر الباء، بشجاعتهم وإقدامهم في المعارك.

وصلتني صورة وزير سابق مشمرا على مرفقيه بينما يستعد شخص يرتدي بزة أنيقة لسكب قطرات ماء من إناء منزلي يسمى مقراج، لا يخلو منه بيت مغربي.

الخلفي اشتغل ناطقا رسميا ووزيرا للاتصال. واشتهر بين المغاربة بفضل طلاقة لسانه المبهرة في اللغة الفرنسية.

الأمر واضح،على حد تعبيره الشهير بالفرنسية الذي استعمله للإجابة والتحليل دفعة واحدة، في تكتيك  تواصلي غير مسبوق خلال برنامج إذاعي .

الرجل  يتوضأ استعدادا للصلاة.

لا نناقش إيمان أحد. فالدين لله والوطن للجميع.

غير أن الإشهار ركن من أركان الزواج وليس من أركان الصلاة. ولا حاجة لمؤمن بنشر شعائر دينية.

قد يكون صاحب الصورة تطوع لتعليم المغاربة وغيرهم، ترتيب الوضوء. في إطار حملة التعليم عن بعد.

والحقيقة، لازلت أتلهف لبقية الصور استكمالا للدرس المفيد.

أما إذا كان يعول على إقناع ناخبين مفترضين بورعه واستقامته طمعا في فوز بانتخابات قادمة، فما عليه إلا أن يضيف صورة أخرى للطهارة الكبرى.

طهارة مما سبق حين كان يقود بمعية أخرين الاتصال والإعلام والحكومة برمتها.

في حالات نادرة، يمكن لمقراج ماء أن يصبح أداة بروبغندا كذلك.

تقبل الله منا ومنكم صالح أعمالكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock