كرونيك

آخر الكلام: بنعيسى ايت الجيد لم يمت سدى

عندما بدأ فورد في إنتاج سيارته الشعبية الأولي المسماة فورد تي، أطلق حملة إشهار ترويج لمنتوجه.

كان فورد من السباقين للعمل بسلاسل الإنتاج التي تجعله ميكانيكيا صرفا، وقد حول العامل الى ما يشبه الآلة، بعد أن صار يعيد نفس الحركة مرارا وتكرارا.

إبدع شارلي شابلان في تشخيص عبثية ولا إنسانية حركات عامل بسلسلة إنتاج أمريكية في فيلم “الأزمنة الحديثة”.

يزعم إشهار فورد أن السيارة متوفرة بأي لون يريده المشتري، شريطة أن يختار اللون الأسود.

رغم خفة دم الإشهار، غير إنه يخفي صورة مرعبة لمحاولات تنميط الذوق العام وإخضاعه لقانون انتاج السلاسل.

تصبح حركات العمال متشابهة ودون معنى، ويختفي الصانع المبدع ليحل محله الأجير المنفذ المطيع.

يختار كل الناس نفس السيارة السوداء التي مرت بين أيدي عمال يجيدون حركة واحة مكررة آلاف المرات.

طبعا، تغيرت أشياء كثيرة منذ 1908، رغم استمرار تسمية نمط الإنتاج الصناعي الذي أسسه فورد، بالفورديزم أو الفوردية، بكلمة أقرب إلى الفصاحة العربية.

منذ ذلك التاريخ، تخلصت فورد من ديكتاتورية السيارة الواحدة واللون الواحد وأنتجت ملايين السيارات، في كل الألوان والأحجام وبمواصفات مختلفة وتجديد تكنولوجي لا يتوقف.

كما أن المجتمع الأمريكي، والغرب الديموقراطي عامة، لا زالا وفيا لمبدا التعدد في كل شيء، في اللون، في الدين، في الموسيقى وحتى في السياسة.

لم نسمع أبدا سياسيا أمريكيا يتحدث عن مواطنين غوغائيين أو مرتزقة أو ميليشيات لمجرد أنهم ينتقدون الحكومة على شبكات التواصل او على صفحات الجرائد، ويناقشون أوجه صرف المال العام.

ولأن زمن السيارة الوحيدة السوداء قد إنتهى، فمن حق كل واحد منا أن يختار ما يناسب ذوقه وتصوراته في السيارات، في اللباس وفي الأفكار أيضا.

ربما اختارت لجنة النموذج التنموي الجديد الإنصات للجميع، من خارج البرلمان والحكومة، ولكل فئة مهما كانت قليلة، لهذا السبب.

فمن أعطاب المجتمع هيمنة الصوت الواحد، والفكرة الواحدة والإجماع الوهمي.

لم يختلف الكثيرون مع الأزمي وإخوانه في قضية الريع والتقاعد فقط، بل للمسألة جذور قديمة تهم المجتمع كما يريده دعاة الحداثة والتعددية، وكما يريده أتباع ابن تيمية والفكر الإخواني.

يريدون مواطنا فورديا يؤدي حركته داخل السلسلة وينصرف إلى بيته لينام، بعد أن يتبضع من أقرب متجر تركي، وفي انتظاره زوجة من فئة “الثريات” البنكيرانية، لا تشاكس ولا تناقش ولا تدخل للبرلمان للتصوير ومزاحمة الرجال في مهنة الصحافة ولا في أية مهنة أخرى.

يريدون ناخبا مريدا منتميا لزاوية الحزب، مستعدا للتصويت حتى لو قام وزراء الحزب بتسعير الهواء الذي  نتنفس، وفرض ضريبة على الأحلام وعلى الأقلام.

يحلمون بالخلافة الإسلامية ويؤيدون طمس الهوية المغربية المختلفة بروافدها وانفتاحها  على أوربا والعالم، تحت اللحية والحجاب والبرقع.

على الأقل، لتكن لهؤلاء الشجاعة لتسمية من يضايقهم، ويحاول افشال مشروع تنميط المجتمع وتغيير ملامحه عوض تلميحات جبانة وتشبيهات من قاموس الحيوانات والجن والعفاريت.

يطمحون إلى تحويل البلد لملحقة مشوهة لدول الخلافة العثمانية شرقا.

يملك بوجادي منتسب  لهذا الحزب “الفوردي” جبهة عريضة وماض لا زالت العدالة تنبش في تفاصيله، ومع هذا وذاك، ما يكفي من الوقاحة ليصرح أن مهمة إخوانه هي “نشر الوعي السياسي الصحيح.”

الوعي السياسي الصحيح يصنعه مجتمع يناقش، ينتقد، ويبدي رأيه في الشأن العام حيثما شاء، وبكل الوسائل المشروعة. وفي سلمية تامة.

آخر الكلام: بنعيسى ايت الجيد لم يمت سدى، وجريمة قتله لم يطلها النسيان.

أما تعويضات وتقاعد النواب والوزراء فهذه مجرد تفاصيل، تكاد تكون تافهة.

الاختلافات جوهرية، والريع يرى بالعين المجردة والفشل في التدبير يتزايد بعد كل يوم.

كفى والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock