مدارات

أية وطنية للإسلاميين؟

دواعي طرح هذا السؤال تعود إلى عدة أسباب، منها ما هو إيديولوجي، ويتعلق بالعقائد التي تتأسس عليها تنظيمات الإسلام السياسي والأهداف التي تسعى لتحقيقها، ومنها ما هو سياسي، ويتعلق بالارتباطات الخارجية والأولويات والموقف من المصلحة الوطنية إذا تعارضت مع الارتباطات الإيديولوجية.

فمسألة الوطنية طرحت نفسها منذ نشأة هذه التنظيمات وتزداد ملحاحية كلما تحملت ــ هذه التنظيمات ــ مسؤوليات تسيير الشأن العام، سواء محليا أو وطنيا.

“.Le patriotisme est votre conviction que ce pays est supérieur à tous les autres, parce que vous y êtes né”

George Bernard Shaw

“الوطنية هي إيمانك أن بلدك أفضل من كل البلدان لأنك وُلدت فيه”

إن الوطنية تعني العطاء والتضحية  بأعز ما يملك المرء وبنكران الذات في سبيل الوطن والشعب وجعل مصلحتهما فوق كل اعتبار. إنها شعور بالانتماء إلى الوطن واقتسام نفس القيم المشتركة التي توحد الشعب. وقد ورد تعريف الوطنية في معجم لاروس بأنها “الارتباط العاطفي بالوطن المتجسد في إرادة الدفاع عنه والترويج له”.

فما مدى  تشبع الإسلاميين بمشاعر الوطنية  والانتماء للوطن؟

الجواب يقتضي استحضار موقف منظري جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها التنظيم الأم الذي حدد المرجعية الإيديولوجية والسياسية للتنظيمات التي ستتفرع عنه في بقية البلدان العربية والإسلامية. فجميع منظّري هذه التنظيمات يرفضون فكرة الوطن وحدوده الجغرافية. يأتي على رأس هؤلاء حسن البنا، أول مرشد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذي عبر عن رفضه التام للوطن كفكرة وكدولة في “رسالة دعوتنا” بقوله إن “الوطنية، هي أحد أسباب تشرذم الأمة إلى طوائف متناحرة متقاتلة، على أساس المصالح الشخصية والأهواء الدنيوية، مما يشجع أعداء الأمة على استغلال هذا الخلاف لصالحهم…”.

ونفس الموقف نجده عند سيد قطب حيث نقرأ له في “ظلال القرآن” (جاء الإسلام ليرفع الإنسان ويخلصه من وشائج الأرض والطين ومن وشائج اللحم والدم، وهي من وشائج الأرض والطين، فلا وطن للمسلم، إلا الذي تقام فيه شريعة الله، فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط بالله، ولا جنسية للمسلم  إلا عقيدته، التي تجعله عضوا في الأمة الإسلامية في دار الإسلام).

بهذه الخلفية الإيديولوجية يتصرف الإسلاميون، سواء داخل الحكومات أو خارجها. ففي السودان، إبان حكم الإسلاميين في الثمانينيات، تمت ترجمة عقائد سيد قطب الإيديولوجية إلى مفاهيم يربى عليها التلاميذ في المدارس، ومنها مفهوم الوطن حيث عرّفوه في مقرر الدراسات الإسلامية للصف الأول الثانوي كالتالي: “الوطن في الإسلام هو الدولة الإسلامية بأطرافها الشاسعة وشعوبها المختلفة”. بل إن السجلات الشخصية لمؤسسي هذه التنظيمات تخلو من أية معطيات تفيد التضحية من أجل الوطن إبان الاستعمار أو في مرحلة الاستقلال (باستثناء المقاومة الإسلامية في فلسطين التي فُرض عليها أمر المقاومة وفرضت مزيدا من التقسيم والتناحر بين الفلسطيين). كان مسعى الإسلاميين، ولا يزال، إقامة نظام إسلامي وإلغاء باقي الأنظمة، الأمر الذي وضعهم في مواجهة مع الأنظمة السياسية، ليس لإشاعة الحريات وتوفير شروط العيش الكريم والتوزيع العادل للثروات، ولكن للضغط عليها قصد السماح بمزيد من “الأسلمة” للحياة العامة وفتح الفرص للإسلاميين للوصول إلى السلطة.

ولا يختلف إسلاميو المغرب عن بقية التنظيمات الإسلامية في الموقف من الوطنية كقيم أخلاقية ومشاعر الاعتزاز بالانتماء إلى الوطن والاستعداد للتضحية من أجله. فغالبية مواقفهم خذلت المصلحة العليا للوطن ولم تستحضرها فأحرى تنتصر لها. ومن تلك المواقف دعمهم لمرسي مصر ولاعتصام “رابعة”، وكذا  لقاء سعد الدين العثماني الذي كان حينها وزيرا للخارجية  بأعضاء من الإخوان المسلمين الذين تصنف دول الخليج تنظيمهم بالإرهابي أثناء زيارته الرسمية للكويت على رأس وفد مغربي.

طبعا، لم يغير قرار إقالة العثماني من وزارة الخارجية من موقف الموالاة على حساب مصلحة الوطن، إذ لا يتردد إسلاميو البيجيدي في معاكستها ــ مصلحة الوطن ــ  والتعبير عن  ولائهم الإيديولوجي على حساب الوطن ومصالحه العليا.

وقد أظهرت المعطيات الاقتصادية كيف سهّل حزب العدالة والتنمية، بعد رئاسته للحكومة، المساطر الإدارية وفتح السوق المغربية للمنتوجات التركية التي كانت  ولا زالت لها آثار كارثية على المقاولات المغربية. إذ ارتفعت صادرات تركيا إلى المغرب  من الملابس  بنسبة 175 في المائة بين 2013 و2017، ما أفضى إلى إضعاف الإنتاج المحلي (إغلاق أكثر من 500 متجر للألبسة الجاهزة، إفلاس أكثر من 8000 مقاولة، فقدان 119 ألف فرصة عمل في قطاع النسيج والملابس) وحسب وزير الصناعة والتجارة أن الخسائر مع تركيا دون مقابل، والتي “تبلغ 18 مليار درهم سنويا”، بينما حجم الاستثمارات التركية في المغرب أقل من 1%.. رغم كل هذه الخسائر للاقتصاد الوطني، صرح مصطفى إبراهيمي، رئيس فريق العدالة والتنمية بالغرفة الأولى، لـموقع الحزب pjd.ma مدافعا عن مصالح تركيا ضد قرار وزارة الصناعة  والتجارة بمراجعة اتفاقية  التبادل الحر مع تركيا “في الوقت الذي نرى أن هناك تعاملا انتقائيا في موضوع اتفاقيات التبادل الحر، من الضروري أن نتدخل لنطالب بتعامل متوازن مع جميع اتفاقيات التبادل الحر”.

الولاء لتركيا التي يمثل أردوغانها نفس إيديولوجيا إسلاميي المغرب، سيترجمه عضو البيجيدي المسؤول عن تسيير الشأن العام بمدينة الدار البيضاء بقرار استيراد 500 حافة من تركيا رغم صناعة مثيلاتها في المغرب وفق تصريح مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي والأخضر “بعض المؤسسات –تستمر- في استيراد منتوجات أثبت المغرب قدرته على صناعتها، ضمنها الحافلات التي سيتم استيرادها من تركيا”. أية وطنية هذه التي تجعل الحزب يفضل دعم اقتصاد تركي على حساب اقتصاد وطنه؟

أكيد أن الإسلاميين يتطلعون إلى “دولة الإسلام” وإلى حاكمها “السلطان”. وليس غريبا أن يخاطب القرضاوي أردوغان، قبل أعوام، بالسلطان “سلطان المسلمين”؛ أو أن يلتحق إسلاميو المغرب بمؤتمر كوالالامبور الذي انعقد  بماليزيا أيام 18 و19 و20 و21 ديسمبر 2019 بمخطط إخواني تقوده تركيا ويستهدف الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي خدمة للأهداف التوسعية لأردوغان الطامح والطامع في إحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock