لا إكراه في الرأي

إطــــارات تتفــاوض تحت الطلب لإمتصــاص الغضب

أتذكر هنا ذلك الألماني الطبيب والمسرحي والشاعر الذي إسمه "برتولت بريشت" فقد قال قولا بليغا حاسما: (مَن ينــاضل ربما يخســر، ومن لم ينـاضل فهو خــاسر بكل الأحــوال).

عبد الإله شفيشو

إن الهدف الأسمى لأي شكل من أشكال التفاوض و الحوار سواء كان نقابيا، حقوقيا أو سياسيا هو توفير أسباب العيش الحر والكريم إلا أنه ومن خلال تقييم بسيط لحصيلة الإعلان عن التوقيع على الإتفاق مع النقابات التعليمية (UMT) (CDT) (UGTM) (FDT) والحكومة على النظام الأساسي يأتي في وقت يشهد فيه القطاع منذ بداية العام الدراسي الحالي إحتقانا مع موجة إحتجاجات، يستشف منه أن الهدف المتوخى (المقاربة التشاركية) بعيد كل البعد، فهل الإطارات الوصية على العمل النضالي قابعون في دائرتهم المغلقة يعيشون أزمة الإتصال و التواصل ؟، وأي مستقبل للعمل النضالي الجماهيري في ظل التحديات المطروحة وغياب البديل الحقيقي؟،

إن الحديث عن النضال دون تصور وجود إطارات سياسية، نقابية، حقوقية التي تصنع النضال يستحيل الحديث عن منظومة تسمى النضال بل يكون عبارة عن سمسرة وعن بيع وشراء في المستندات والأصول فكم كثر عدد الإطارات والتنسيقيات دعاة النضال وكم كثر عدد دعاة الإلتصاق بالشعب والتضحية والتطوع لخدمة قضاياه يكون الجواب السهل والجاهز عند هذا النوع من المناضلين هو دائما رمي الكرة في الطرف الأخر كل حسب مفاهيمه الدولة، المخزن، النظام…،

صحيح أن هذا الطرف لعب ولازال دوره وهو دور طبيعي بالنسبة له خاصة عندما تكون ساحة النضال أمامه فارغة لكن أن نرفع الاطارات الراية و تساوم وتقعد مع القاعدين وتبقى تنظر و تبرر وتساوم حتى على المبادئ التي أعدم وأختطف ونفي من أجلها الكثيرون في عهد سنوات الرصاص الذي كان يتسم بالقمع الشرس و المفرط ومع ذلك كان كانت هناك إطارات جماهيرية محدودة في الكم والنوع تناضل بكل ما للكلمة من مدلول.

إن الإطار السياسي، النقابي، الحقوقي ليس بالضرورة أن يكون قائدا يتقدم الصفوف وليس نضاله محصوراً في تصدر الصفوف ولا في أعمال ضخمة النضال هو أن تنحاز لما تؤمن به من مبادئ شريفة والإطار الحقيقي هو من لا يناضل ليحقق نصرا يستمتع به ويجني حصاده بل هو من ينتصر للمبادئ التي يراها البعض بضاعة غير رائجة وغير رابحة هو من يموت نظيفاً وهو معاديا للفاسدين، فالإطارات على مرّ التاريخ لم يخوضوا معركتهم ضد الفاسدين و المستبدين إلا إذا كانوا ضامنين لنتائجها ولم يتخيلوا أنهم يجلسون أمام هواتفهم وشاشات حواسيبهم ويدخلون ما لديهم من معلومات عن الخصم ثم يقارنون بينها وبين ما لديهم من قوة ثم ينتظرون ما ستنصح به تلك الحواسيب التي تعتمد المنطق فإذا كان النصر مؤكدا خاضوا نضالهم وإذا هي الهزيمة عدلوا عن قرارهم وقبلوا بالإستسلام والمساومة و هذا هو النضال تحت الطلب لزرع اليأس وإمتصاص الغضب.

إن غياب إستراتيجية التعبئة الدائمة من طرف الإطارات السياسية، النقابية، الحقوقية لإعادة الإعتبار للنضال الجماهيري كفاعل أساسي لكسب رهان التحدي في مقابل حضور الخطاب الديماغوجي والأساليب التضليلية والتشخيص النظري للأوضاع والحسابات الضيقة بهدف تحقيق أغراض شخصية مقيتة هو ما أدى حتما إلى تبخيس قيمة العمل النضالي وفي نفس الوقت النفور الجماعي وهذا ما نقف عليه في مجموعة من المحطات النضالية خاصة الوقفات الإحتجاجية حيث الحضور الجماهيري صادما ومحرجا، ورغم الدفع أحيانا في إتجاه محاولات النضال الوحدوي التنسيقي بين الإطارات لكن ليس كتكتيك إستراتيجي قائم على مطالب نضالية بل كظرفية تمليها فرصة موسمية عابرة في لحظة معينة والذي يكون غالبا مصيره الفشل والمزيد من الإحباطات وزرع اليأس و ما يساهم في تكريس هذه الوضعية هو غياب تام ومقصود للتقييم والنقد للعمل النضالي للإطارات التي تدعي الجماهيرية و تراجع الدعم الشعبي لها في جميع المحطات النضالية.

إن أهمية هذه الأسئلة مرحليا والتي من المفروض الإجابة عليها والحسم معها من طرف الإطارات السياسية، النقابية، الحقوقية لإسترجاع الدور التاريخي للعمل النضالي الجماهيري بدل القفز عليها وبشكل لا ديمقراطي ولا أخلاقي ليستمر الوهم النضالي تاركا ورائه المزيد من خيبات الأمل وفقدان الثقة.

وانطلاقا من مبدأ النقد والنقد الذاتي يصبح من الواجب النضالي على الإطارات التي تناضل من أجل تحقيق ذلك الهدف الأسمى أن تضع أمامها أن المبادئ لا مساومة عليها فهي النبراس الذي يهتدى به فمثل هذه المساومات مدمرة لا تبني شعبا مكافحا مضحيا بل شعبا يائسا متدمرا فاقدا للثقة فالغاية لا تبرر الوسيلة وأن الأهداف النبيلة لا تحقق بوسائل خسيسة فالنضال تحت الطلب لمجرد امتصاص الغضب يجب التصدي له بصفة حاسمة لأن التغاضي عن مرض في بدايته هو تركه يستفحل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock