منوعات

العادات الســودانية خلال شهر رمضان

تسامح.. كرم.... وقبول الآخر.... وخصال أخرى يمتاز بها لمجتمع السوداني، نحاول تلمسها في هذا التقرير الوارد علينا من السودان الشقيق...

إبراهيم حسين (دربات)

يختلف المجتمع السوداني تمامًا عن المجتمعات الأخرى، في كافة الأصعدة و المستويات، فهي مجتمع تتسم بالتسامح، والكرم، والجود، وقبول الآخر، فضلًا عن الشهامة والنخوة، وهذه الصفات المتميزة ذكرها الدكتور إبراهيم أبوسليم في كتابه الشخصية السودانية، تجلت من خلال التعايش والترابط الوثيق بين أفراد المجتمع وشكلت صورة جمالية للشخصية السودانية أينما حل فهو مرفوع الرأس.

إن أنت جالستهم فإنك صاحب المنزل وهم الضيوف…!

الكرم والجود في المجتمع السوداني هي الصفة المميزة للشخصية السودانية، بحيث كل بيت سودان هو قِبلة للضيوف، وإذا جالستهم تكون أنت صاحب المنزل وهم الضيوف، و هذا نادرًا ما يوجد في المجتمعات الأخرى، لذلك هذه الصفات أصبحت محل دراسة لكثير من المفكرين في دول الغرب من تجاربهم الشخصية و وجودهم في الدولة السودانية، حاولوا بجهد تطبيق وهذه الصفات في المجتمعات الغربية لكنها كانت عصية، وهذا يرجع إلى التركيبة المجتمعية لسُكان الدولة المعنية.

من العادات والتقاليد السودانية الجميلة جدًا، التي أبهرت العالم أجمع هي اللمة في المناسبات أي بمفهوم آخر (اللمة في الضَرا (1) لتناول الوجبات المختلفة.

أيضًا في المناطق يسمى مضيفة و هي مكان للضيوف بكامل تجهيزاتها، و هذا الضيف يجد نفسه عزيزًا مكرمًا كأنه في منزله.
و هذا الضَرا عبارة عن وطن مصغر بحيث يجتمع الناس لمناولة الوجبات من دون أن يكون هناك تقاطعات على أساس العِرق واللون والدين، وأبلغ هي دولة المواطنة بلا تمييز.

ومن مميزات الضَرا أحيانًا يتم مناقشة بعض الأمور التي تحتاج للجودية (2)، ويتم وضع الحلول آنيًا، يستخدمون لغة الحوار وقبول الآخر لذلك ينتجون أودية فعالة لهذه المشكلات.

هذه المقدمة كان فاتحة لعنوان المقال (العادات السودانية في رمضان)، شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، و هو شهر مميز لدى المسلمين، حيث أنزل فيه القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، ليالي العشر الأواخر من رمضان، وهو من الشهور المهمة في التقويم الهجري.
في الدولة السودانية شهر رمضان له طعم خاص من حيث العادات والتقاليد، و التجهيزات المبكرة له من قبل النساء السودانيات الذين يجملون الرمضان الموائد ذات الطعم الخاص.

خلال وقت مبكر يتم الإستعداد لشهر رمضان، من بداية شهر شعبان النساء السودانيات يذهبن إلى الأسواق الشعبية لشراء مكونات المشروبات الرمضانية، ولكن هذه المرة رمضان أتى على أصوات المرفقات الحربية، و البويتات أصبحت خاوية على عروشها، الجميع الآن بعيدين عن بيوتهم، لكن لا أسفًا يذهب الحرب و يبقى الوطن والعودة أحمد.

تذهبن النساء مبكرًا إلى السوق لشراء مكونات الأبري ( الحلو مر) وهي الدخن البهارات الخاصة الأبري، وحطب الطلع المستخدم في صناعة الأبري. (3)

خلال شهر شعبان رائحة الأبري تكتنف الأنوف بحيث كل البيوت السودانية تصنع الأبري مع عدا الطبقات الذي تتمتع بالدخل العالي.
صناعة الأبري في الريف له طعم خاص، بحيث يجتمع النساء في كل يوم بيت لصناعة الأبري لإحداهن و هذه دلالة على الترابط الكبير بين مجتمع الريف فهو يختلف تمامًا عن مجتمع المدينة.
هذه العادات والتقاليد هي متوارثة من جد لأب، لإبن، ولا يمكن أن ينتهي أو يذهب بها الريح إلى الرصيف ويصبح المجتمع السوداني فاقد للعادات.

وللأطفال أيضا اهتمامهم الخاص برمضان وطقوسه

حتى الأطفال الصِغار لهم إهتمام خاص بشهر رمضان يتم الإستعداد له مبكرًا من قبل الأطفال الذين يرسمون البهجة في وجوه الصائمين، قبل ثلاث أيام من الرمضان يتم التجهيز من قبل الأطفال بحيث يجمعون الحجارة في شكل تخطيط هندسي غير متوازي الأضلاع، في مسجد، في هذا المكان يكون هو المكان المخصص الإفطار في رمضان.

الصينية السودانية في رمضان، الذي يجمل الرمضان في السودان هي الصينية السودانية، بحيث كل بيت يخرج بالصينية ويجتمعون في الضَرا، و هذه الصينية هي مكونة من جكوك العصير المختلفة و أهمها جك الأبري، وجك النشأ، وعصيدة الداميرقا والدخن بملاح الشرموط (التقلية) ومُلاح البامية المفروكة، وكورة البلح، وكورة البليلة بأنواعها المختلفة.

هذه الصينية ليس هِكرًا على أصحاب المنزل، لا بل لكل الناس الموجودين في الضَرا، وفي مثل مشهور (الضَرا سوق) بمعنى لك الإختيار في تناول الشئ الذي يعجبك، هذه الصينية تعود إلى المنزل خاليًا.

قبل دقائق من آذان الإفطار تجد مجموعة من الشباب يربطون الشوراع حجزًا للمارة، و دعوتهم لتناول وجبة الإفطار ومن ثم الذهاب.

عند صلاة العشاء و التروايح تجد الأطفال في الميادين العامة يلعبون بسلك اللماع يشعلون فيه النار، ويركضون مع بعض، ولكن هذا يجد نقدًا من الذين تقدموا في العمر، في السودان يسمونهم (الحجاج، أي عمك) خوفًا من إصابة الأطفال بالنار وحتى الإشتعال في المنازل.

موعد السحور..

في موعد السحور مجموعة من الشباب يحملون الجرادل و الأكواز و يضربون عليه و يصدر صوت مميز صوت الطار و يغنون بالأغنيات الخالي من اللحن والموسيقى، كمثل (يا صائم قوم إتسحر، يا صائم خلي النوم، كو كرورر) والهدف من ذلك هو تنبيه الصائمين بموعد السحور.

الدولة السودانية جميلة بكل تفاصيلها، و هذه التفاصيل ميزت الشخصية السودانية عن الشخصيات الأخرى، كل الأمنيات لوطننا بالتقدم والإزدهار و السلام والإستقرار، والرمضان فرصة جيدة لقبول الآخر والتسامح.

دعونا جميعًا سودانيين بمختلف انتماءتنا السياسية ومشاربنا الثقافية، أن نجعل من رمضان مساحة لترك الغبن الإجتماعي الموجود بينا، ونسعى لبناء وطن جديد يقبلنا بكل تفاصلينا و نحافظ على هذه العادات والتقاليد السودانية السمحة، إن لم يكن ذلك تذهب هذه العادات والتقاليد في مهب الريح، لا نريد ذلك بل نريد المحافظة على هذه التفاصيل.
رمضان مساحة للتسامح.

كل عام و أنتم بخير

رمضان مبارك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الضَرا: مكان يجتمع فيها سُكان الحي أي القرية أو المدينة لتناول فيها الوجبات المختلفة، و غالبًا ما تكون راكوبة أو قطية تختلف من القرية إلى المدينة.

(2) الجودِية: مجموعة من الناس يتميزون بالحكمة و الرأي السديد، و هذه الكلمة هي مستخدمة كثيرًا في المجتمعات الدارفورية والكردفانية.

(3) الأبري: من المشروبات السودانية الرئيسية في شهر رمضان لا يوجد بيت سوداني غالي من الأبري و يتم تصنيعه من الدخن، بحيث يتم تزريع الدخن و طحنه و خمرهُ مع إضافة بعض البهارات الخاصة به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock