العالم

بوادر أزمة بين فرنسا والجزائر: القوة الضاربة انتظرت اعتذار فرنسا لها لا للحركيين

بات واضحا، أن دولة الجنيرالات، أصبحت ورقة رابحة على كل الواجهات، داخليا وخارجيا، لكن في غير مصلحة الشعب الجزائري وإنما في قلب الحملة الانتخابية التي يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ عدة أسابيع وتتسبب في أزمات بين البلدين

ويمكن الجزم أن الجزائر، صارت تحتل مكانة هامة في السياسية الداخلية والخارجية الفرنسية، وحملات انتخابية سابقة لأوانها لكل المرشحين المعنيين وحتى المفترضين. ليتحول بذلك النظام العسكر، الشغل الشاغل للساسة للفرنسيين.

ففي خطوة سياسية جديدة من فرنسا، تلوح بوادر أزمة أخرى ستفاقم العلاقات المتأزمة أصلا مع الجزائر. ويشتم من مناقشة البرلمان الفرنسي لمشروع قانون للاعتذار لـ “الحركيين” روائح حريق في المنابر الديبلوماسية.

يلعب ماكرون ورقة الحركيين، في ظرفية سياسية حساسة جدا في تاريخ العلاقات بين البلدين، ويرمي بهذه الورقة الانتخابية، في مبنى البرلمان الفرنسي (الجمعية العامة) للتصويت، وعينه على أصوات مليون ناخب حركي، لا أقل ولا أكثر.

مشروع القانون الذي سيناقش اليوم، هو بمثابة مغازلة للناخبين الحركيين في صيغة قانون اعتذار من الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي وعاشوا “مأساة” في فرنسا بعد نهاية الحرب، وذلك بعد مضي ستين عاما على انتهاء حرب الجزائر.

ويعد المشروع ترجمة قانونية لخطاب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ألقاه في 20 شتنبر في قصر الإليزيه بحضور ممثلي الحركيين، ويمثل اختبارا لضمير فرنسا في مواجهة “مأساة الحركيين”، وخطوة يسعى من خلالها ماكرون لضرب عصفورين بحجر واحد، القيام بأكثر من الاعتراف بـ”الدين” تجاه الحركيين وعائلاتهم الذين عاشوا إثر وصولهم إلى فرنسا في “ظروف غير لائقة”، بل الذهاب إلى غاية الاعتذار لهم وتعويضهم وجبر الضرر الذي لحقهم بفرنسا، ثم معاكسة وإهانة نظام العسكر الذي جرد الحركيين من الجنسية الجزائرية و يعتبرهم خونة.

خطوة ماكرون هاته، تعتبرها أوساط سياسية وصحفية فرنسية وجزائرية، جريئة باعتباره أول رئيس فرنسي طلب “الاعتذار” من الحركيين وعائلاتهم، بعد الأزمة القائمة بين البلدين والتي مازالت جراحها لم تندمل لغاية اليوم، على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي المثيرة للجدل حول الأمة الجزائرية.

وزكى هذا “التحرش” الفرنسي، الوزيرة المنتدبة المكلفة بشؤون الذاكرة وقدامى المحاربين، جينيفيف داريوسيك، التي وصفت موضوع الحركيين بـ “صفحة قاتمة لفرنسا”.

مشروع القانون الذي ينغص صفو قصر المورادية، سيعترف، إضافة إلى خطوات رمزية وأخرى عملية، بـ”الخدمات التي قدمها في الجزائر الأعضاء السابقون في التشكيلات المساندة التي خدمت فرنسا ثم تخلت عنهم أثناء عملية استقلال هذا البلد”. وجند ما يصل إلى 200 ألف من الحركيين كمساعدين للجيش الفرنسي خلال الحرب بين عامي 1954 و1962″.

كما يعترف النص بـ”ظروف الاستقبال غير اللائقة” لتسعين ألفا من الحركيين وعائلاتهم الذين فروا من الجزائر بعد استقلالها. وفي هذا الشأن، أوضحت داريوسيك أن “نحو نصفهم تم ترحيلهم إلى مخيمات وضياع” أنشئت خصوصا لهم. وينص مشروع القانون كذلك، على “التعويض” عن هذا الضرر مع مراعاة طول مدة الإقامة في تلك الأماكن. ويشمل التعويض “المقاتلين الحركيين السابقين وزوجاتهم الذين استقبلوا بعد عام 1962 في ظروف غير لائقة، وكذلك أطفالهم الذين جاؤوا معهم أو ولدوا هنا”، وفق ما أوضحت مقررة مشروع القانون باتريسيا ميراليس المنتمية لحزب ماكرون.

إلى جانب ذلك، رصدت خمسون مليون يورو في مشروع موازنة العام 2022 لصرف التعويضات. وأضافت ميراليس: “نقدر أنه يمكن تقديم ستة آلاف ملف اعتباراً من عام 2022، 2200 منها لقدامى المحاربين الحركيين وزوجاتهم وأراملهم”، وأوضحت أنها ستدافع عن تعديل “لدمج حالات معينة لا يشملها التعويض في النسخة الحالية”.

وتأتي الخطوة/الصاعقة، الفرنسية في الوقت الذي كانت تنتظر فيه الجزائر خطوات أخرى، أقلها تعويض ضحايا تجاربها النووية والاعتراف بجرائمها خلال فترة الاحتلال التي دامت 130 سنة.

لكن الرئيس الفرنسي وضع مصالحه الشخصية ومستقبله السياسي فوق كل اعتبار، بحيث يكون قد ضمِن قرابة مليون صوت من خلال خطوته الأخيرة تجاه “الحركيين” في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها ربيع السنة القادمة. وكان ماكرون قد اتصل في وقت سابق بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون، بعد لقائه مع “الحركيين” واتخاذه قرارا بتعويضهم، لكن لا أحد يعلم ما دار بين الإليزيه والمرادية وعن فحوى المكالمة.

وسبق لماكرون أن فتح ملف “الحركيين” عند زيارته للجزائر سنة 2017، لكن وزارة المجاهدين في الجزائر اعتبرت وقتها، أن الملف منته، حيث قال الوزير طيب زيتوني وقتها، إن “التاريخ حسم قدرهم، لقد اختاروا موقعهم، الناس الذين خانوا وطنهم وإخوانهم لا يحق لهم أن يعودوا إلى وطننا”.

في الضفة الأخرى، كان رد فعل العسكر، وعبر يومية الخبر المقربة من دوائر الحكم، شديد اللهجة، إذ اعتبرت أن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتمادى في استفزاز الجزائر التي كانت تنتظر تعويض ضحايا تجارب فرنسا النووية والاعتراف بجرائمها خلال فترة الاحتلال الهمجي التي دامت 130 سنة..”

ويبدو أن الجزائر صارت عرفا جديدا لدى ساسة فرنسا، وصار لزاما المرور بهذا الملف، وفرنسا على أبواب الانتخابات الرئاسية. إذ لا يفوت المرشحون فرصة للعودة إلى الأزمة الدبلوماسية التي تهز العلاقات بين البلدين والتي أثارها ولا زال الرئيس المنتهية ولايته، ويستحضرها جل منافسيه في قلب حملاتهم الانتخابية السابقة لأوانها، وهم زيمور وسيوتي ولوبان وبرتراند ومونبورغ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock