مدارات

جدل حقوقي -عزيز إدامين: ثغرات تقرير بوعياش اللاحقوقي بخصوص “حراك الريف”

أصدر المجلس الوطني لحقوق الانسان تقريره حول التظاهرات التي عرفها إقليم الحسيمة، والمعروفة إعلاميا ب”حراك الريف”، وهو تقرير طال انتظاره كما جاء على لسان مُعديه، وباعتبار أن المجلس مؤسسة دستورية، باعتباره نتاج تعاقد سياسي لدستور 2011، وأنها تتلقى ميزانية من دافعي الضرائب بالمغرب، كما أن رأيها له أثر على عدد من الحقوق، وخاصة الحق في الحرية للقابعين في السجون، فإن مناقش هذه الوثيقة يُصبح التزاما معنويا على كل مُدافع عن حقوق الانسان.

وبناء عليه يمكن تقديم مستويين من الملاحظات، العامة والتي تناقش التقرير بكليته والخاصة التي تناقش بعض مضمون التقرير.

أولا: المستوى العام

  • دمج موضوعات مختلفة في تقرير واحد:

أنتجت منظومة حقوق الانسان على منهجيات ومقاربات في التعاطي مع الانتهاكات، فالتعاطي مع التحقيق في مسألة ادعاءات التعذيب لها قواعدها وأدواتها، وأهمها الانطلاق من بروتكول إسطنبول دليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهو مرجع أساسي للطب الشرعي وأيضا للمدافعين عن حقوق الانسان الرسميين أو المدنين، كما أنه يعطي حقوق كثيرة للمدعين. وللإشارة، فالمجلس الوطني لحقوق الانسان طالب من خلال تقريره موضوع المقال، الدولة المغربية بالمصادقة عليه (توصية 21 الصفحة 71)، وهي فضيحة تنم عن جهل معدي التقرير بالقانون الدولي لحقوق الانسان، لكون بروتوكول اسطنبول لا يخضع لا للتوقيع ولا للمصادقة، بل هو دليل معتمد من قبل الأمم المتحدة وتبنّته المفوضية السامية لحقوق الانسان منذ 2004 كوثيقة مرجعية.

كما أن المنتظم الدولي وضع معايير دقيقة في ملاحظات المحاكمات، ونذكر منها المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتعليق العام رقم 32 لسنة 2007 المتعلق بـ”الحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة أولاً، والتعليق العام رقم 13 لسنة 1984 حول إقامة العدل.

أيضا هناك نظام قائم متعلق برصد التظاهرات والاحتجاجات، حيث نجد من الأبجديات الحقوقية “دليل التدريب على حقوق الانسان، الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الانسان، ونخص بالذكر الجزء 15 حول “رصد المظاهرات والاجتماعات العامة”.

وبالتالي خلط الموضوعات كلها في قالب منهجي واحد يعتبر غير سليم، بل إننا نلمس في التقرير أنه يمزج بين كونه تقريرا وأحيانا أخرى يكون عبارة عن دراسة، وهو الجزء الملاحظ في المحور المعنون ب “تحليل للمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول احتجاجات الحسيمة” يمكن أن يكون عبارة عن دراسة مستقلة وتواجدها في التقرير هو “زيادة متعسفة”.

كذلك الحديث عن تقرير تركيبي أمر غير مقبول في ظل تناول موضوعات مختلفة عن بعضها ومستقلة بذاتها.

  • القطيعة مع انتاجات سابقة

أكد معدو التقرير أنه “تمت صياغته ما بين نونبر2019 ومارس 2020″، وهنا يطرح سؤال حول مصير مجهود عمل المجلس في صيغته السابقة، حيث سبق لرئيس المجلس السابق وأمينه العام أن صرحا مرارا أنهم يتابعون الوضع في الحسيمة وأنه سيتم إصدار تقرير شامل، فهل عمل سنوات مسح بجرة قلم؟ مع العلم أنه بالإطلاع على التقرير الحالي لا نجد فيه أي إحالة على التجربة السابقة، مما يستشف منه نوع من “الخصومة الشخصية” لمعدي التقرير مع الحقبة السابقة.

يضاف إلى ذلك أن التقرير لم يستند نهائيا، إذا استثنينا تركيزه على محاضر الشرطة، إلى مجهود الحركة الحقوقية المغربية التي قامت بالتقصي والزيارات الميدانية، كالائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان والمبادرة المدنية للريف.

  • شرود القانون الدولي العرفي

حاولت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان، الدفاع عن أطروحتها بخصوص معتلقي الريف بالمحاججة بكونها تسنتد على القانون الدولي العرفي، وبالعودة إلى التقرير الحالي، فإنه خالي تماما من أي إحالة على هذا الجزء من القانون الدولي، فرغم أن العرف الدولي غني في بعض مجالات القانون الدولي كمثال القانون الدولي للبحار، فإنه يكاد يكون منعدما في مجال القانون الدولي لحقوق الانسان.

ففي التقرير نجد فقرة عابرة (الصفحة 26) دون تبيان أسباب نزولها أو في أي موضع ستوضع.

ثانيا: المستوى الخاص

نقصد بالمستوى الخاص، الموضوعات التي تمت معالجتها، والتي سنقف عند البعض منها فقط، وذلك لتبيان التناقضات الواردة في التقرير، وكأن معده وضع نفسهّ، مكرها، في وضعية من يريد تغطية الشمس بالغربال، يستند على المعايير كما هي ولكن يعطي نتيجة مغايرة تماما.

  • التعذيب

ورد في التقرير ما يلي: “اعتبرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أنه من غير الضروري التمييز بين السلوك الذي يشكل تعذيبا والسلوك الذي يشكل معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة؛ لأنهما يشكلان معا انتهاكًا لأحكام المادة السابعة”، وأضاف أنه “وصف المجلس الإدعاءات التي قد تتوفر فيها عناصر مكونة لفعل التعذيب أو الادعاءات التي يمكن تكييفها ضمن المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة عندما يتم استيفاء هذه المعايير جزئيًا فقط.”

والحالات التي رصدها هي ثلاث حالات تولد القناعة بتعرضهم للتعذيب وثلاثة تعرضهم للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، وعموما ” أغلب الموقوفين والمعتقلين تعرضهم لأشكال مختلفة من السب والشتم والقذف والإهانات اللفظية، سواء أثناء الإيقاف أو في سيارات الشرطة أو أثناء الاعتقال الاحتياطي أو خلال إنجاز المحاضر أو لتوقيعها. واعتبارا لطبيعة هذه الادعاءات لم يتمكن المجلس من التأكد منها أو تفنيدها.”

إن السفسطة اللغوية الواردة في التقرير لتمييع التعذيب يُسائل الضمير الحي لما تبقى من المجلس الوطني لحقوق الانسان، فإذا لم يستطع التأكد أو تنفيذ المعاملة الحاطة والاإنسانية فهذا يعني أن هناك مشكل.

ويبقى أهم اعتراف سجله التقرير، والذي يضرب المحاكمة العادلة، هي تسجيله “أن حالات ادعاءات التعذيب لم تحظ بالتداول والمناقشة الكافيين بخصوصها خلال المحاكمات”، وأنه “لم يتم إشعار المتهمين ودفاعهم بنتائج البحث” حول ادعاءات التعذيب.

ونعود مرة أخرى للقرار رقم 477-2011 الصادر بتاريخ 14 يونيو 2014 الصادر عن لجنة مناهضة التعذيب، الذي يخص السيد علي أعراس، الذي حكم عليه ابتدائيا واستئنافيا، ولكن القضاء لم يتعاط بجدية مع ادعاءات تعرضه للتعذيب، حيث سجل المغرب بشكل رسمي لدى لجنة مناهضة التعذيب أنه: “أدانت محكمة الاستئناف بالرباط، الغرفة الجنائية الاستئنافية، صاحب البلاغ في حكمها الاستئنافي بالسجن 12 عاماً بتهمة انتهاك قانون مكافحة الإرهاب. ورأت المحكمة أن: “محكمة الدرجة الأولى فصلت بشكل سليم في جميع المطالب والدفوع؛ وتؤكد هذه المحكمة هذه الأحكام ما دامت تعتبرها ملبية لجميع المتطلبات القانونية، لا سيما فيما يتعلق بادعاء صاحب البلاغ تعرضه للتعذيب، على اعتبار أن فحصاً طبياً قد أجري من قِبل ثلاثة أطباء أكدوا جميعاً أن صاحب البلاغ لم يتعرض لأي تعذيب من أي نوع كان. وعليه، فقد اقتنعت هذه المحكمة بتأييد الحكم الصادر على مستوى الاستئناف كما ورد في قرار محكمة الاستئناف” وترى المحكمة أن “قرار المحكمة الجنائية الابتدائية كان مبرراً، ولذلك أيدته وأقرت التعليلات التي استند إليها”. وفي أكتوبر 2012، قدم صاحب البلاغ طعناً أمام محكمة النقض.

إلا أن لجنة مناهضة التعذيب كان ردها حاسما:

  • تحيط اللجنة علماً أيضاً برأي الطبيبين في التقرير الطبي عن الفحص الذي أجراه طبيب شرعي لصاحب البلاغ في يناير 2012، وهو الرأي الذي يؤكد أن هذا التقرير غير منسجم مع توجيهات بروتوكول اسطنبول؛
  • قدم الطبيب ب.، وهو خبير مستقل في مسألة التعذيب، رأيه في التقرير الطبي وخلص إلى أنه كان من المفروض إجراء فحص طبي ونفسي شامل وفقاً للتوجيهات الواردة في دليل التقصي والتوثيق الفعالين بشأن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (بروتوكول اسطنبول)، ويدخل في ذلك إجراء فحوص واختبارات من قِبل أطباء مستقلين متخصصين في تقييم حالة أشخاص يشتبه في تعرضهم للتعذيب، ولا يتضمن التقرير أية تفاصيل عن الفحوص التي أجريت ولا يكاد يتضمن تفاصيل عن نتائج هذه الفحوص. ولم يسعَ الأطباء إلى الاطلاع على تقارير الأطباء الذين فحصوا صاحب البلاغ أثناء حبسه الاحتياطي ولا أثناء فترة سجنه. ولم يذكر التقرير إن جرى الفحص بحضور رجال شرطة أو موظفين في السجن، وهل كان صاحب البلاغ مقيد الأيدي أو مقيد الحركة. ويتألف جوهر التقرير من صفحة واحدة ونصف الصفحة، أما الادعاءات بالتعرض للتعذيب فاقتُصر على ذكرها في سطرين قصيرين. ولا يحتوي التقرير على رسم توضيحي ولا على صور، لم يشر التقرير قط إلى إمكانية إجراء فحص نفسي أو سيكولوجي، وهو ما يكشف أن الفحص الذي أجري لا يلبي المعايير الدولية لتقييم الادعاءات بالتعرض للتعذيب.”
  • بناءً على ما تقدم، ترى اللجنة أن السلطات أخلت بواجب إجراء التحقيق، وفي ذلك إخلال بالالتزام الواقع على عاتق الدولة الطرف بموجب المادة 12 من الاتفاقية، وهو التأكد من قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملاً من أعمال التعذيب قد ارتكب. وحيث إن الدولة الطرف لم تف بالتزامها هذا، تكون قد أخلت أيضاً بالمسؤولية التي يتعين عليها تحملها بموجب المادة 13 من الاتفاقية بأن تكفل لصاحبة البلاغ الحق في تقديم شكوى، وهو ما يفترض أن تستجيب السلطات لهذه الشكوى على النحو المناسب بأن تفتح تحقيقاً فورياً ونزيهاً.
  • ويتبيّن من نص أحكام محكمة الاستئناف أن اعترافات صاحب البلاغ كان لها أثر حاسم في قرار الإدانة. وتحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحب البلاغ بشأن التعذيب الذي يكون قد تعرض له أثناء الحبس الاحتياط.
  • الدولة الطرف، مثلما ذُكر من قبل، أخلّت بالتزامها بإجراء تحقيق سريع ونزيه في الادعاءات بوقوع تعذيب؛ وبأن محكمة الاستئناف لم تأخذ الادعاءات بالتعرض للتعذيب على محمل الجد عند إدانتها صاحب البلاغ على أساس اعترافاته، نافية أن تكون هذه الادعاءات قد قُدِّمت أثناء إجراءات الدعوى. وبناءً على هذه الحيثيات، ترى اللجنة أن الدولة الطرف أخلّت بالتزاماتها بموجب المادة 15 من الاتفاقية.

إن الإقرار بكون “ادعاءات التعذيب لم تحظ بالتداول والمناقشة الكافيين بخصوصها خلال المحاكمات”، يجعل المحاكمة باطلة وفق اتفاقية مناهضة التعذيب، لكون وجب وقف الدعوى الأصلية وعدم إكمالها إلى غاية البت في المستجد هو ادعاء التعذيب، واستمرار المسطرة القضائية دون البت في الادعاءات، يعتبر المحاكمة غير عادلة ولو توفرت فيها العلنية والحضور والدفاع.

  • تهريب حق التظاهر إلى احتجاجات

تبقى الحجج المقدمة من أجل تجاوز مصلطحي “الحراك” و”الريف” غير مقنعة، وأن تعويضها باحتجاجات إقليم الحسيمة غير ذي معنى، ببساطة لكون المتظاهرين والداعمين لهم هم من اختاروا تسميتهم بذلك، فلا يعقل مثلا أن نلغي مصطلح حركة 20 فبراير لكونه غير محدد في المكان، كما لا يمكن أن نلغي مصطلح انتفاضة “الكوميرا” وغيرها، وبالتالي نحن أمام تظاهرات “لحراك الريف” بإقليم الحسيمة.

كما أن مصطلح “الحراك” أصبح يتشكل كمفهوم جديد في الديناميات الاجتماعية والاحتجاجية، ودخل عدة معاجم سيولوجية وسياسية وأيضا حقوقية، بإنه ولج للقاموس اللغوي لبعض الدول كفرنسا وأمريكا HIRAK، لكون ليس له مرادف في هذه اللغات سابقا.

بل إن مفهوم “الحراك” ولج تقارير أممية في مجال حقوق الإنسان (الفقرة 29 التقرير A / HRC/27/33 لسنة 2014) وتقرير هيومن رايت ووتش حول ” رد الحكومة اليمنية القاسي على احتجاجات الحراك الجنوبي سنة 2009، وتقرير أمنيستي تحت عنوان اليمن: القمع تحت الضغوط، الذي يتحدث عن الحراك الجنوبي، سنة 2010.

ويبقى اختيار مصطلح الاحتجاج عوض التظاهرات أو التجمعات السلمية كما هي متعارف عليها عالميا يطرح علامة استفهام كبرى، ونشير لأهم ملاحظة وردة في المجلس الدولي لحقوق الانسان في تقرير له بتاريخ 29 يناير 2014 “هناك قلق ازاء استخدام مصطلح “سلمي” و”غير سلمي” لوصف تجمع أو مظاهرة. ففي العديد من المظاهرات، يظل السواد الأعظم من الحشد المشارك سلميا، وإن نعت المظاهرة بأنها “غير السلمية”، ومن تم تبرير الردود القمعية التي تصدر عن الدولة، قد يطرح إشكاليات، وقد يؤدي إلى حماية غير كافية لمن يشاركون في المظاهرة دون عنف، وبالتالي لا يجب تصور المظاهرات السلمية كتهديد.” (الفقرة35)، وبالتالي فإن منحى استعمال مصطلح احتجاجات عوض التظاهرات قد يكون من ورائه خلفية معد التقرير بأن ينحو نحو جعلها “غير سلمية”، وهو ما سوف نستشفه في موضوعات التقرير فيما بعد.

  • عدم حماية حرمة البيوت

ورد في التقرير أنه “نظمت مسيرتان للنساء باللباس الأسود، واحدة ليلا والثانية نهارا، مطالبة «بوقف مداهمات المنازل»، وداعية إلى «احترام حرمة البيوت» وإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق المطالب. هذه الفقرة تحتوي على انتهاك خطير، انتهاك يمس الاتفاقيات الدولية وخاصة العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، وأيضا دستور 2011.

إلا أن معد التقرير ركز فقط على شكل التظاهرة بوصفها “اللباس الأسود”، ولكن تجاهل تماما في جميع صفحات التقرير التأكد هل تم “مداهمة المنازل؟ وهل تم المساس بحرمة البيوت؟ وهي عناصر تم تجاهلها بشكل خطير يمس من مصداقية التقرير ككل، لكون هذه الانتهاكات ذات طابع خطير.

وهنا نعود إلى لجنة مناهضة التعذيب التي تعتبر اقتحام المنازل والمكاتب وأعمال الترهيب “أعمال انتقامية خطيرة، وأن عدم تقديم معلومات حول أية تحقيقات حول مزاعم من هذا القبيل يثير القلق” (تقرير الدورة 74 نوفمبر 2011 الفقرة 35).

وبالرجوع إلى تقارير الهيئات الحقوقية التي زارت المنطقة فقد سجلت عشرات الجمعيات قناعة باقتحام المنازل والمس بحرمة البيوت، بل إن وزير العدل السابق صرح في لقاء حقوقي بأنه اتصل بوزير الداخلية للوقوف على “اقتحام المنازل وإصلاح الأبواب”، وأن نفس الموضوع طرح في البرلمان في إطار سؤال أني بتاريخ 11 يوليوز 2017.

وبالتالي هذا الانتهاك خطير كان من المفروض التحقيق وتحميل المسؤوليات فيه.

  • أعمال الشغب والعنف الحاد

التزم التقرير باستعمال عبارة “أعمال الشغب”، إذ أكد في التقديم أن: “هذا التقرير يتمظهر في الاجتماعات والتجمهرات والتظاهرات السلمية أو الاحتجاجات التي عرفت طابعا عنيفا.

وسيطلق التقرير على بعضها عبارة “أعمال شغب” (Les émeutes)، وذلك لحدة العنف الذي عرفته.”

إلا أن على طول متن التقرير استعمل مصطلح “العنف الحاد”، إذ تطرق إلى مصطلح “أعمال الشغب” خمس مرات في مقابل استعمل العنف الحاد 11 مرة، وهو ما يدل أن معد التقرير لم يضع خطوط فاصلة بين أعمال الشغب كمفهوم له تحديداته ومفهوم العنف الحاد الذي له معاني أخرى.

  • “تبخيس” الحق في الحياة

يعتبر الحق في الحياة أول الحقوق التي يدافع عنها المدافع عن حقوق الإنسان، باعتباره أصل باقي الحقوقي، ويخصص لانتهاكه وقت وجدية كبيرتين، إلا أن التقرير الذي تطرق إلى الوفاة المأساوية للمرحوم محسن فكري باستخفاف فقد وصف الأمر بـ”حادثة الحاوية”، وفي أقل من بضع كلمات تحدث عن وفاة المرحوم عماد العتابي بـ” أصيب السيد عماد العتابي بشظايا الرصاصة المرتطمة بالأرض”.

إن انتهاك الحق في الحياة لكل من محسن فكري وعماد العتابي كان يقتضي تخصيص حيز كبير من التقرير لتوضيح ملابسات الوفاة وتحديد المسوؤليات مع ترتيب الجزاءات في كل مستويات القرار الأمني، خاصة وأن التقرير يسجل يقينا أن الأمن استعمل الرصاص في مواجهة المتظاهرين، وهو الشيء الذي يفرض على معدي التقرير الجواب على سؤال التناسب، وهو هل القوة المستعملة والتي استعملت فيها الرصاص متناسبة مع حجم التظاهرة؟ وهي الأسئلة المشروعة التي وردت في بيان وكيل العام للملك ” أنه سبق للنائب العام بالمحكمة الابتدائية بالحسيمة، أن كلف الشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء بإجراء تحقيق معمق حول الواقعة، بغية الكشف عن ملابسات الوفاة وأسبابها، وتحديد المسؤوليات عنها لترتيب الآثار القانونية المترتبة على ذلك.”

أما القول أن “تسجيل حالة وفاة يمكن وصفها، ضمن ملابسات وقوعها، بأنها عملية دفاع عن النفس” يعتبر تستر على جريمة قتل.

وتبقى حالة وفاة السيد عبد الحفيظ الحداد، والتي لم ترد نهائيا في التقرير، مع العلم أنها وقعت في السياق العام لحراك الريف، ستبقى، مفتوحة لكون البعض لم يقتنع ببلاغ وكيل العام للملك بسبب مرض الربو؟

  • السلمية وغير السلمية

تحدث التقرير في مرات عديدة أن التظاهرات كانت سلمية إلى غاية مارس 2017، ولكنه في الآن نفسه يتحدث عن ” تمت أولى الاشتباكات بين المحتجين والقوات العمومية في الخامس من يناير 2017″، و” منذ اشتباكات 6 فبراير، التي شهدت جرح 54 من رجال الأمن”، فهل المواجهات حسب التقرير التي وقعت في يناير وفبراير لم تشمل بالعنف؟ أم أنه حسب التقرير يريد تأكيد أن العنف الممارس من قبل المتظاهرين بدأ بشكل ممنهج وممأسس ابتداء من مارس؟ أم أن الغاية تكمن عند معدي التقرير في انحيازه السياسي ليسجل أن العنف مرتبط بتشكيل الحكومة؟، خاصة إذا علمنا أن إعفاء عبد الاله بنكيران وقع في 16 مارس 2017، والتقرير سجل بطريقة بشكل مباشرة ” أن احتجاجات الحسيمة، والتي جاءت في سياق فريد، يتجلى في الصعوبات التي واجهتها عملية تشكيل الحكومة”.

إن تحديد شهر مارس كنقطة تحول في التظاهرات، يطرح أكثر من علامة استفهام على معدي التقرير، لكون تحديد هذا التاريخ لا يستند على أي حجة علمية أو حقوقية، بل تدفع في اتجاه القول أن وراءه اعتبارات سياسية.

  • التقديرات “السياسوية” في التقرير

تطرق التقرير إلى عدة تقديرات غير مطلوبة منه، كما أن طرحها تم بشكل غير علمي وغير موضوعي كالقول مثلا “فوتت أعمال الشغب والاحتجاج ذات الطابع العنيف الفرصة للحوار حول مطالب لترصيد مشاريع التنمية في مواجهة ضعف التمدرس وارتفاع نسبة البطالة والنهوض بالحسيمة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا”، فهل لمعدي التقرير إمكانية التنبؤ بمألات الوضع الاجتماعي والتنموي؟ هل يمكن قياس هذا التقدير في حالات مدن مغربية أخرى دخلت في حوار مع السلطة ولكنها لم تعرف لا مشاريع تنموية ولا النهوض الاقتصادي؟ ألا يطرح على عاتق المجلس تتبع لماذا لم تتحق هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟ وكذلك ألا يشكل “تفويت الفرصة” عملية انتقامية ضد ساكنة اقليم الحسيمة برمتها؟

تحدث التقرير أيضا أن المطالب “لم تأت متقطعة أو متدرجة وتبعا لأسبقيات، بل جاءت متصاعدة ودون تراتبية” وأنها تم “تقديمها ككتلة واحدة وبشكل متصاعد يمكن أن يشكل تعبيرا عن الرغبة في عدم التقدم نحو الحل، والرهان على التصعيد، مما أعاق الحوار حول تحقيقها”، ليطرح مرة أخرى أسئلة على معدي التقرير، هل من حق المجلس أن يكون وصيا على المتظاهرين في مطالبهم؟ هل من حق شخص آخر أن يضع للمتظاهرين لائحة مطالبهم؟ ألا تتحمل الدولة أيضا مسؤوليتها في “اللامبالاة” وعدم التعاطي الجدي مع المطالب؟ وما هو السند الذي تم قياس به “الرغبة في عدم التقدم نحو الحل”؟ فإذا كانت المطالب مشروعة فلا يحق لأي كان أن يضع لها شكلها ومسطرتها.

أما القول أن” أزمة التمثيلية وآثار الاستقطاب التدريجي (polarisation) الذي يشهده الحقل السياسي المغربي، تأثيرات سلبية متشابكة، أدت في بداية الأمر إلى تنامي الشعوبية ثم إلى تطرف متزايد للضواحي التي يبقى إدماجها السياسي والاقتصادي محدودًا”، يبقى خير دليل على التقديرات السياسية وليس المواقف الحقوقية.

  • التظاهرات والتظاهرات المضادة

بشكل شارد تمت الإشارة في التقرير إلى “التظاهرات المضادة” وهي حق أيضا من حقوق الإنسان، إذ أورد أنه: “ويشمل هذا الحق مجموعة واسعة من التجمعات، بما في ذلك التجمعات السياسية والاقتصادية والفنية والاجتماعية. كما يمتد الحق أيضًا ليشمل المظاهرات المضادة، على الرغم من أن الدول ملزمة بضمان ألا تنتهك المظاهرات المضادة حق الآخرين في التجمع، كما تلتزم بحماية المتظاهرين من العمل “الاستفزازي لأي عنصر” قد يعيق عقد التجمع”.

إذا تجاوزنا هذه الإشارة النظرية المتفق عليها أمميا، فإن تنزيلها في التقرير غير موجود بالمطلق، ولا يعرف سبب الاحالة عليها، وبما أنها ذكرت، فوجب تذكير معدي التقرير على التظاهرات المضادة العنيفة التي تعرض لها شباب حراك الريف، ولم يكون محميين من قبل الأمن بل تمت الاعتداءات أمام أعين الشرطة مع “الحماية الخاصة” للمعتدين.

نذكر بواقعتين من عشرات الوقائع التي لم يتطرق لها التقرير، الأولى بالناظور بتاريخ 25 دجنبر 2016، حيث استعمل العصي والعنف اللفظي والجسدي ضد المتظاهرين من قبل متظاهرين آخرين رافعين شعار “الحفاظ على الاستقرار الذي يعرفه المغرب”، والثانية ببني بوفراح بتاريخ 4 ماي 2017، بالإضافة إلى عشرات الفيديوهات التي نشرت وتدعو إلى “قتل” المتظاهرين وتهديدهم.

فما دام التقرير تحدث عن التظاهرات المضادة، وحماية المتظاهرين، فلماذا لم يتطرق لأي حالة؟ بل ترك تلك الفقرة شاردة داخل التقرير

ختاما:

نختم المقال بخلاصة أن تقرير الأستاذة بوعياش، هو تقرير مسيّس جدا، ويعكس الأطروحة الرسمية والأمنية، وأنه من مئات الوقائع والأحداث تم انتقاء فقط محاضر الضابطة القضائية وتصريحات رجالات الأمن، وتجاهل عدة وقائع كانت لها أهمية في ما جرى، فلم يتم التطرق مثلا لا إلى بلاغ أحزاب الأغلبية الذي وقع صك الاتهام بالانفصال ضد المتظاهرين، ولا إلى تسريب ونشر فيديو الزفزافي عاريا والذي يعتبر بكل التشريعات الدولية انتهاكا لخصوصيته ومعاملة مهينة وحاطة بالكرامة ترقى إلى مستوى التعذيب النفسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock