مدارات

قراءة في “الوثيقة السياسية” لجماعة العدل والإحسان (2/4)

تعتقد جماعة العدل والإحسان أن الأحزاب التي تعارض الحكومة هي بالضرورة تعارض النظام، اعتقاد خاطئ ووهْم لم تستطع الجماعة التحرر منه رغم رفض تلك الأحزاب التحالف معها، فكل الأحزاب، باستثناء حزب "النهج الديمقراطي"، لا تعارض النظام ولا تسعى إلى إضعافه أو عزله؛ بل هي مَلَكِيّة ولا تريد عن النظام الملكي بديلا.

سعيد الكحل

نفاق الجماعة وتقيّتها. إن المشروع السياسي الانقلابي الذي ترفعه الجماعة وتتبناه وتدعو إليه، فرض عليها الانحصار والعزلة السياسية التي تعمّقت بعد وفاة مرشدها وتبخر آمال الأتباع التي غذّاها المرشد بسلسلة الوعود والمنامات حول قرب انهيار النظام وحدوث “أمر عظيم” (رؤية 2006). إذ لا تخلو أدبيات الجماعة من “التبشير” بدنو سقوط النظام (ليكن واضحا أننا لسنا نرمي لترميم صدع الأنظمة المنهارة معنويا، المنتظرة ساعتها ليجرفها الطوفان. يندك ما كان يظنه الغافلون عن الله الجاهلون بسنته في القرى الظالم أهلها حصونا منيعة وقلاعا حصينة، وتندثر وتغرق) (ص 576 العدل).

ومما أوْهَم به المرشدُ أتباعه: (مستنقعنا المغربي أسِنَ ماؤه وفاحت رائحة عطنه، فلا نطمع في أن تنجح ” إشارات” صغيرة هنا وهناك في تجفيف مائه الراكد وتفريغ وحله العفن) (ص 24 مذكرة إلى من يهمه الأمر).

لهذا يجزم الشيخ واهِما (سيظل السوس ينخر في جسم النظام وبعد الضربة المفاجئة، ستتوالى الانتكاسات وخيبات الأمل) (ص 23 مذكرة إلى من يهمه الأمر). نفس الوهم بقرب انهيار النظام تروج له “الوثيقة السياسية”: “وصول بلدنا إلى حالة غير مسبوقة من الجمود والانحباس، مما يهددنا بانهيار عام -لا قدر الله- وتصدع شامل للنظام الاجتماعي”. ص 10.

أمام تراكم الخيبات واتساع دائرة التهميش، قررت قيادة الجماعة تغيير التكتيك دون تغيير الهدف الذي من أجله تأسست الجماعة وهو إقامة “دولة الخلافة على منهاج النبوة”. في هذا الإطار جاء إصدار “الوثيقة السياسية” على الشكل المخالف لما سبقها من وثائق؛ أي وثيقة هي أقرب إلى البرنامج الانتخابي منه إلى الوثيقة المذهبية. وتهدف الجماعة من وثيقتها إلى الخروج من العزلة عبر:

1 ـ تبديد مخاوف الأحزاب والهيئات النقابية والمدنية التي تستهدفها الجماعة بدعوتها إلى تشكيل تحالف ضد النظام لتغييره (فإن الوثيقة التي بين أيدينا نسخة متطورة من مثيلاتها. في اتجاه رص الصف وتوحيد الجهود وبناء القوة المجتمعية لصناعة التحول المنشود والتغيير المراد) ص 10.

2ـ إيهام تلك الأطراف بأن الجماعة تخلت عن مشروع “الدولة الدينية” لصالح “الدولة المدنية”. لقد طال انتظار الجماعة “انهيار النظام”، وخاب أملها في قرب موعد “الزحف”؛ والنظام الذي ظلت تتربص به يزداد قوة وتجذرا وإشعاعا قاريا ودوليا. وقد يظهر للمتتبع لشؤون الجماعة أن “لوثيقة السياسية” الحالية تحمل مراجعة جذرية لمبادئ الجماعة وأهدافها.

لكن المتمعن في ديباجة الوثيقة والإطار الإيديولوجي الذي يحكمها سيدرك أن الدائرة السياسية غيرت التكتيك فقط حتى تتمكن من خداع الهيئات المستهدَفة والظهور أمامها بمظهر “حزب مدني” يقبل بالاختلاف والتعدد ومستعد للمساهمة في إرساء دعائم الدولة الديمقراطية. وهذا واضح مما تضمنته الوثيقة من التشديد على الالتزام بمبادئ وأهداف المشروع السياسي والاجتماعي للجماعة: “فالتغيير السياسي في مشروع الجماعة يرتبط إذا على مستوى مبادئه وقيمه ارتباطا وثيقا بالمشروع الدعوي العام وبالتغيير التربوي والأخلاقي” (الوثيقة: ص17).

إن استعمال مفاهيم سياسية مستعارة من القاموس السياسي لأحزاب اليسار خصوصا، لا يعني إطلاقا تبني الجماعة لمضامينها وخلفياتها الإيديولوجية. فإعلان الدائرة السياسية عن سعي”جماعة العدل والإحسان إلى الإسهام في بناء دولة عصرية عادلة منضبطة للتعاقد الدستوري المنبثق عن الإرادة الشعبية، دولة مدنية”، لا يستقيم مع المبادئ والأسس التي تضمنتها الوثيقة والتي تشكل الإطار الموجِّه والمحدِّد لها؛ وذلك كالتالي:

الأساس الأول: نظام الشورى. إن مشروع الجماعة هو إقامة “دولة الخلافة” تخضع لنظام “الشورى” الديني وليس النظام الديمقراطي/ المدني. فالوثيقة تشدد على “بناء نظام شورى، ذلك أن ما عرفته الأمة منذ الانكسار التاريخي وما تعيشه أغلب المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة من ترد وانحطاط، يعود في جزء كبير منه إلى تغييب الشورى باعتبارها جوهر الحكم وركيزته الأساس” ص25. واضح من هذه الفقرة تباين المشروع السياسي للأحزاب، وهو النظام الديمقراطي، مع مشروع الجماعة الذي هو نظام الخلافة/الشورى.

الأساس الثاني: الالتزام بالمنهاج النبوي. فالوثيقة لا تخفي هذه الحقيقة، بل تشدد عليها كالتالي:

“تُستمد الخصائص الأساسية للمشروع السياسي للجماعة من خصائص مشروعها المجتمعي، كما بسطها المنهاج النبوي” ص 27.

ورفعا لكل لبس تؤكد الوثيقة على التالي: “ينبثق المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان عن الرؤية العامة الناظمة لمشروع المنهاج النبوي التغييري؛ فهو يجسد تصور الجماعة واجتهادها العملي في مقاربة القضايا السياسية وتدبير الشأن العام”ص24. ومعلوم أن المنهاج النبوي لا يؤمن بما يسمى دولة مدنية، وقانون مدني، ونظام ديمقراطي، وديمقراطية تشاركية.

الأساس الثالث: الاكتفاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية إطارا ومصدرا للتشريع لمشروع الجماعة السياسي: إذ شددت “الوثيقة السياسية” على التالي:

“يستمد المشروع السياسي للجماعة أصالته من أصالة مشروعها التغييري، الذي ينهل أصوله من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وهي أصالة في الأهداف والغايات والأسلوب والوسائل والآليات وفي المفاهيم”.

وهذا يعني أن الجماعة لن تستمد تشريعاتها من القوانين المدنية كما لن تتخذ من منظومة حقوق الإنسان أصلا ومصدرا للتشريع.

إن التزام الدائرة السياسية “بالمنهاج النبوي” الذي هو بمثابة دستور الجماعة والإحالة عليه دليل قاطع على كون “الوثيقة السياسية” لا تحمل مراجعات وليست نتيجة لها؛ ومن ثم فهي لا تخرج عن كونها تكتيكا يراد منه إيهام الهيئات الحزبية المعارضة أن الجماعة غيرت جلدها وصارت تتبنى الديمقراطية وعلى استعداد للمساهمة في بناء الدولة الديمقراطية وفصل السلط. أوهام الجماعة ورهاناتها الخاسرة. منذ تأسيس الجماعة وهي تعيش على وهم إقامة “دولة القرآن” على أنقاض “دولة السلطان”. وأسست مواقفها على هذا الوهم. لهذا أعلنت رفضها القاطع للمشاركة في مؤسسات النظام الذي تنتظر انهياره حتى لا ترمم صدعه (ليكن واضحا أننا لسنا نرمي لترميم صدع الأنظمة المنهارة معنويا، المنتظرة ساعتها ليجرفها الطوفان. يندك ما كان يظنه الغافلون عن الله الجاهلون بسنته في القرى الظالم أهلها حصونا منيعة وقلاعا حصينة، وتندثر وتغرق ) (ص 576 العدل: الإسلاميون والحكم).

من هذا المنطلق، تراهن الجماعة على تشكيل تحالف يضم الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني غايته تطويق النظام وعزله، ومن ثم الانقضاض عليه على الطريقة الخمينية. إنه رهان خاسر لكون الجماعة لا تميز بين معارضة النظام ومعارضة الحكومة.

فكل الأحزاب، باستثناء حزب “النهج الديمقراطي”، لا تعارض النظام ولا تسعى لإضعافه أو عزله؛ بل هي مَلَكِيّة ولا تريد عن النظام الملكي بديلا. فهي تخوض غمار المنافسات الانتخابية للعضوية في المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها المؤسسة التشريعية، للمساهمة في إدارة الشأن العام. واعتقاد الجماعة أن الأحزاب التي تعارض الحكومة هي بالضرورة تعارض النظام، هو اعتقاد خاطئ ووهْم لم تستطع الجماعة التحرر منه رغم رفض تلك الأحزاب التحالف معها.

فكل الأحزاب، باستثناء حزب “النهج الديمقراطي”، لا تعارض النظام ولا تسعى لإضعافه أو عزله؛ بل هي مَلَكِيّة ولا تريد عن النظام الملكي بديلا. فهي تخوض غمار المنافسات الانتخابية للعضوية في المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها المؤسسة التشريعية، للمساهمة في إدارة الشأن العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock