كرونيك

من كان منكم بلا خطيئة، فليرمي بالحجر الأول…!

أحيانا تكون المشاعر أصدق من كل تحاليل العقل. ربما، حدس القلب لا يخطئ، رغم أن فورة الغضب أو الحزن قد تلف العقل بضباب كثيف يمنع الرؤيا أحيانا كثيرة، ويعطل المنطق السليم.

لا أحد يختار أحاسيس اللحظة. فرحة عابرة أمام طائر صغير يقفز مبتهجا أو أسى عميق لمرور جنازة شخص غريب بالشارع العام.

هكذا تفاعلت مع لقطات سوق الخرفان المعلوم بالدار البيضاء بعيدا عن التأويلات السوسيولوجية أو الاقتصادية.

قد يكون هذا المقال مجرد بوح لا غير.

المكان أرض جرداء يؤثثها الغبار. شاحنات وسيارات نقل متوسطة تملأ الساحة. فجأة، تختلط الأيادي والأجساد في لقطة تذكر بحركات جموع جائعة وهائجة، اعتادت أن تتداولها وسائل الإعلام من دول ثالثية في حالة حرب.

يختطف البعض خرفانا نحو أطراف الساحة تجاه سياج متهالك، بينما تظهر سيدة تحاول بدورها سرقة حيوان من أصحابه دون أن تتمكن من ذلك. معظم من يظهر في الشريط الهاوي يحمل علامات فقر لا تخطؤها العين.

بالمناسبة، هذه الجلبة تقع قبل عيد الأضحى المبارك بيوم أو يومين.

غضب البعض بشدة.

آخرون تحصنوا وراء سخرية لاذعة وتعال مقرف تجاه فقراء الوطن دون تمييز؛ النزيهون منهم واللصوص الأغبياء الذين ظهروا في الفيديو المعلوم.

انتابتني مشاعر حزن عميقة أمام أحداث يصعب وضعها في أي سياق.

شراء أضحية العيد ليس مفروضا على أي أحد، خصوصا من لا دخل له.

أحس بالحزن لأناس انتظروا بأمل أن تريحهم الدولة من عبئ ثقيل. وحين لم تفعل، لم يمتلكوا جرأة اتخاذ قرار يهمهم أولا وأخيرا.

أحس بالحزن لحالة المواطن القاصر أبدا:

يحتاج لرجل الدين كي يعرف أي رجل تسبق لولوج الحمام.

يحتاح للقائد(ة) كي يلزم بيته حفاظا على سلامته.

يحتاح للشرطي كي يضع كمامة تحميه من مرض قاتل.

أحس بالحزن لفشل أكثر من ثمانية قنوات تلفزية وطنية ومئات الجرائد الورقية والإلكترونية ومحطات الراديو في إحداث ثغرة إيجابية في سور التفكير والوعي القروسطاويان لدى غالبية المواطنين.

أحس بالحزن حين يتحول عيد رمزي إلى مشاهد همجية وسكاكين وأكياس فحم وأزبال تغزوا الأزقة والشوارع.

أحس بالحزن حين يتقاذف مسؤولية ما حصل المثقفون والسياسيون دون أن يجرأ أحد منهم على الاعتراف أن البلد تسير في الطريق الخطأ.

أحس بالحزن حين يجتمع على وطني الجهل والفقر والاستعلاء والجائحة في يوم العيد.

أحس بالحزن حين أكتشف أن المغرب يستعد لنموذج تنموي جديد وهو مثقل بثقافة جاهلة ومتجاوزة.

من كان منكم بلا خطيئة، فليرمي بالحجر الأول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock