العالم

هكذا تدفع الدولة الجزائرية بالإعلام خشية غضب الإمارات

في كل مرة تعجز فيها الجماعة الحاكمة في الجزائر عن الإدلاء بمواقف رسمية واضحة بخصوص علاقاتها ببعض الدول، توكل المهمة للإعلام  لتصريف موقفها -بعد أن قزَّمته ودَجَّنته حتى بات مطواعا- في تعبير عن جبن سياسي ظاهر.

في الحالة الراهنة، تبدو صورة دولة الإمارات العربية المتحدة في الإعلام الجزائري بُعبعا يقض مضجع الدولة الجزائرية العميقة، على تناقضاتها الصارخة والظاهرة للعيان، حتى ليكاد المتتبع للشأن الجزائري إن كان الأمر يتعلق بدولة فعلا…

في هذا السياق، خرجت جريدة “الخبر” الجزائرية، في عددها الصادر يوم الإثنين 4 شتنبر 2023، بمقال يهاجم دولة الإمارات العربية المتحدة، وكال لها كثير الاتهامات، في قراءة بُنِيَت على معطيات الكواليس، وليس على أساس المعلومة التي بدا أن الدولة الجزائرية العميقة غابت عنها في غفلة من الزمن السياسي المتحرك بسرعة البرق…

ورغم إلحاح التصريحات الرسمية الجزائرية على العلاقات الوثيقة الإماراتية الجزائرية، ليس آخرها، الرسالة الخطية التي تلقها رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون خلال المنتصف الثاني من غشت الماضي، حول “العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها”، في محاولة لتطويق الزوبعة التي افتعلتها نفس الجريدة (الخبر)، عبر مقالها الموسوم “أبو ظبي: عاصمة التخلاط”، في هجمة إعلامية شرسة على دولة الإمارات، لم تكن لتصدر إلا من أوامر تلقتها الجريدة من جهات عليا في الجزائر.

وها هي نفس الجريدة تنشر مقالا استعدائيا آخر تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة، قبل مضي أقل من من شهر على المقال الأول، ما يؤشر على أن جهة ما داخل الدولة الجزائرية العميقة، تحاول بإصرار خلط أوراق عبد المجيد تبون.

دعم الإمارات للمغرب استعداء للجزائر….!

تكتب “الخبر” وهي توزع صكوك الاتهام: “ذهبت الإمارات بعيدا في دعمها العسكري لنظام المخزن، من خلال إقرار مسؤوليها بمنح 68 طائرة حربية متقدمة من نوع “ميراج 9000 داش 9″، مع قطع غيار وإمدادات الذخيرة كدعم مجاني لسباق التسلح المغربي، وهي الصفقة التي أذاعها الإعلام المغربي على نطاق واسع قبل أشهر، وتأكد مؤخرا بأن المخزن بدأ يتسلم هذا النوع من المقاتلات المتطورة.”

وهو ما فسرته بأنه استعداء للجزائر من قبل  “حكام أبو ظبي”، و”الإضرار بأمنها ومصالحها الاستراتيجية، ويصر هؤلاء، من خلال توالي انزلاقاتهم الخطيرة، على الدفع بالعلاقات الثنائية نحو القطيعة، فلم يعد التطاول والإضرار بالمصالح الوطنية داخليا وخارجيا خفيا أو “حديث جرائد”، بل أخذ طابعا علنيا.”، وهو ما سيؤدي بـ “العلاقات بين البلدين الشقيقين تتجه نحو المجهول، وقد لا يطول خيار ضبط النفس الذي تلتزم به الجزائر منذ فترة ليست بالقصيرة.”

إلى ذلك، تسرد “الخبر” سلسلة الاتهامات الموجهة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وكما قالت “أدوارها المشينة.”

تستند “الخبر”، في رحلتها للبحث عن “دوافع الممارسات الإماراتية ضد الجزائر”، مثلما استند قبلها رموز النظام في تصريحات سابقة على معلومات واهية تنقصها الحجية،  على “المعلومات المتواترة التي تفضح الأدوار المشينة للإماراتيين على مختلف الأصعدة”، قبل أن تخلص إلى أن “جميع التوقعات تشير إلى أن الجهات المختصة ستجد نفسها مضطرة للرد إذا لم “يعد الأشقاء إلى رشدهم.”

جهة ما في الجزائر تريد الخلاص، والتخلص، من علاقات الجزائر بدولة الإمارات العربية المتحدة، ولعلها هي نفس الجهة التي أوحت بقطع العلاقات الجزائرية المغربية و”من دون رجعة”، وبأسابا واهية بات يعلمها القاصي والداني.

غير أنه في حالة الإمارات العربية المتحدة، لا تريد هذه الجهة الإفصاح عن نفسها، أو إنها تخشى العواقب، خصوصا مع التحولات السريعة التي حدثت وتحدث بالجوار الجزائري جنوبا وشرقا، في منطقة الساحل، ما يؤشر على أن القابضين على الشأن الجزائري في وضع حرج ولا يحسدون عليه، ولعله هو الوضع الذي يجعلهم على غير بينة من أمرهم… تاركين إياه لصدف “المقال الإعلامي”، إن يصيب الهدف أم لا، في مقامرة سياسية تقود حتما نحو المجهول…. في غياب الرؤية السياسية المستشرفة والعاقلة، والمسؤولة.

اتهامات بالتجسس…!

أيضا، تكتب “الخبر” متهمة بكثير من التعميم الذي تغيب عنه الأدلة والإقناع: “لقد تأكد أكثر من أي وقت مضى، لدى الدوائر الرسمية والإعلامية الوطنية، ارتباط مسؤولين إماراتيين بشكل مباشر بقضايا خطيرة تستهدف المصالح الحيوية للجزائر، منها التجسس داخليا وحدوديا، والضغط على دول شقيقة وصديقة قصد التشويش على علاقاتها مع الجزائر، بل اجتهدت أبوظبي في الاستثمار في أزمات الجيران والأفارقة من أجل مقايضة مواقفهم لجرهم نحو مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، في عمل معاكس تماما لمبادئ الجزائر وجهودها المناهضة للتغلغل “الإسرائيلي” في القارة.

دعم الإمارات للوحدة الترابية المغربية استفزاز للجزائر…!

في التصور الجزائري الغريب، ولا يحتمل تقبل العقل، يعتبر دعم دولة للمغرب استفزازا للجزائر بالضرورة، وعلى هذا المنوال، تكتب “الخبر”: “ودائما الظاهر، من خلال ما يُتداول إعلاميا، أن درجة الاستياء من الأدوار الإماراتية بلغت مداها، ففي الآونة الأخيرة انخرطت أبوظبي في مسلسل استفزازي للجزائر، من خلال الاصطفاف المفضوح مع نظام المخزن، وتجهيزه بكل الوسائل من أجل إلحاق الأذى بالجزائر، واتضح ذلك جليا من خلال عدة معطيات تصدقها الوقائع المتتالية.”

وأضافت: “الاصطفاف وراء نظام المخزن ترجمته “هبة” الطائرات الحربية التي تقدمت بها أبوظبي إلى شركائها في التطبيع بالرباط مؤخرا، يضاف إليها معدات الجوسسة التي نشرها المغرب عبر حدوده مع بلادنا، والتي وجهت خصيصا للتجسس على مختلف الاتصالات الداخلية للجزائريين عبر الشريط الحدودي، فضلا عن الدعم الإماراتي المفضوح لأطروحة المغرب التوسعية، وأيضا الاحتلاليّة للصحراء الغربية على جميع الأصعدة.”

وأوردت: “ذهبت الإمارات بعيدا في دعمها العسكري لنظام المخزن، من خلال إقرار مسؤوليها بمنح 68 طائرة حربية متقدمة من نوع “ميراج 9000 داش 9″، مع قطع غيار وإمدادات الذخيرة كدعم مجاني لسباق التسلح المغربي، وهي الصفقة التي أذاعها الإعلام المغربي على نطاق واسع قبل أشهر، وتأكد مؤخرا بأن المخزن بدأ يتسلم هذا النوع من المقاتلات المتطورة.”

وهو ما وصفته ب”التآمر على الأمن القومي الجزائري”، وتناست أكثر من خمسة عقود من التآمر مع أكثر من دولة في أقاصي الأرض ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية، باسم الاشتراكية وتحرير الشعوب والتضامن… وأكثر من خمسين سنة وهي تعطل قطار الوحدة المغاربية…!

وربما ما أزعج الجيران أكثر التصريحات التي أوردتها  بعض التقارير الإعلامية نقلا عن تصريح لمسؤول عسكري إماراتي في الجزائر أنه “في حال نشوب حرب بين الجزائر والمغرب، فإن بلاده ستقف بكل إمكاناتها مع المغرب.”

ولتزكي سلسلة الاتهامات، ذكرت بالموقف الإماراتي داخل مجلس الامن الدولي الرافض لتعيين الدبلوماسي الجزائري الأسبق، صبري بوقادوم مقترح للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتعيينه مبعوثا أمميا إلى ليبيا.

يبدو أن الجبن السياسي للقوة الضاربة وصل مداه باستعمال الإعلام خوفا وتقية، وحين تخشى الجزائر الرسمية من إعلان موقف واضح تجاه دولة الإمارات العربية إنما هي تعلم يقينا ثمن مواقف مثماثلة، خصوصا وان الرمال بدأت تتحرك على حدودها جنوبا مع غموض الاوضاع في منطقة الساحل التي تزيد من تهديد أمن المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock