مدارات

وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (18) الأخيرة

كل المؤشرات والمعطيات تدل على فشل حكومة البيجيدي، خلال الولايتين، في توفير الظروف الملائمة لممارسة الأعمال وتشجيع الاستثمار؛ الأمر الذي انعكس مباشرة على نسب النمو، بحيث عرفت انخفاضا ملموسا خلال الولايتين مقارنة مع الفترة السابقة لرئاسة البيجيدي للحكومة، رغم الظروف المناسبة (انخفاض أسعار المحروقات في السوق الدولية، مواسم فلاحية جيدة، تحرير أسعار المحروقات..). فالمغرب حقق معدلات نمو اقتصادي مهمة قبل 2012: 7.57 % سنة 2006، 5.92 % سنة 2008 و5.2 % سنة 2011. ثم سرعان من انخفض المعدل مباشرة بعد تنصيب حكومة البيجيدي: انخفاض نسب النمو عما كانت عليه قبل 2011: 3 % خلال سنوات 2012 و2014 و2018 حسب أرقام البنك الدولي، 1.06 % سنة 2016.

الجدير بالملاحظة، أن التحسن النسبي لترتيب المغرب في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال، حيث انتقل من الرتبة 114 من أصل 183 سنة 2011 إلى المرتبة 53 من بين 190 دولة سنة 2020، وهو التحسن الذي اعتبره رئيس الحكومة سعد الدين العثماني “إنجازا” من حكومته، لا يعني بالضرورة أن مناخ الأعمال مناسب.

فحسب تقرير معهد فريزر الكندي فيما يخص استقلالية النظام القضائي، الذي يُعنى بحماية ملكية الأفراد والمستثمرين معا فإن المغرب حصل على أقل من معدل 5 من أصل 10 نقاط طوال الفترة الممتدة من 2007 إلى 2017. ويشكل هذا مؤشرا سيئا بالنسبة للمستثمرين الخواص الذين يحتاجون إلى مؤسسات عدالة قوية تحمي ملكياتهم. أمام هذه الوضعية نبه جلالة الملك إلى ضرورة توفير الضمانات القانونية والاقتصادية للمستثمرين في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش يوم 21 أكتوبر 2019 كالتالي: “إن توفير المناخ المناسب للاستثمار، لا يقتضي فقط تحديث التشريعات المحفزة، بل يقتضي أيضا توفير الضمانات القانونية والاقتصادية، الكفيلة بتحقيق الثقة في النظام القضائي، وتوفير الأمن الكامل للمستثمرين“. إن الخلفية الإيديولوجية لرئيس الحكومة وتنفيذه للتعليمات التي يتلقاها حزب من المرشد العام لتنظيم الإخوان الدولي تجعله محكوما بهما ولا يستطيع التفكير خارجهما.

فالتوجهات الكبرى التي تؤطر سياسة رئيس الحكومة تتمثل في اثنين:

أولهما: جعل المواطنين في خدمة الدولة، بحيث جعل من جيوب المواطنين وأرزاقهم موردا أساسيا من موارد خزينة الدولة. فرئيس الحكومة لم يكُف عن فرض الضرائب الجديدة على المواطنين (الموظفين والأجراء خصوصا) لمواجهة الصعوبات المالية للدولة (ضريبة جديدة تحت اسم “مساهمة اجتماعية للتضامن” فُرضت على الأجراء والموظفين وبعض الشركات، من أجل تحصيل ما يُناهز خمسة مليارات درهم، كما تم إحداث سنة 2019، رسما ضريبيا يسمى”رسم التضامن ضد الوقائع الكارثية”).

وقد كانت هذه الضرائب موضوع رفض من طرف غالبية المركزيات النقابية. ففي بيان للاتحاد المغربي للشغل نقرأ (يرفض التخفيض من أجور الموظفين والمستخدمين والأجراء الذي جاء به مشروع قانون مالية 2021 المعروض على البرلمان، ويعتبره مشروعا غير عادل، تحاول الحكومة من خلاله إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية على حساب القدرة الشرائية للأجراء بإثقال كاهلهم بضرائب جديدة). بينما يصر رئيس الحكومة على عدم فرض الضريبة على الثروة، فضلا عن استمرار إعفاء الفلاحين الكبار من الضريبة على الدخل. فالحكومة، إذن، تلجأ إلى الموظفين والأجراء لتغطية العجز المالي للخزينة، في الوقت الذي تنبه فيه كثير من المنظمات المدنية (ترانسبرانسي، أوكسفام، الجمعية المغربية لحماية المال العام..) إلى تهرب عدد كبير من الشركات متعددة الجنسيات من أداء الضرائب، مما يكلف الدولة 2.45 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل حوالي 24 مليار درهم (2.34 في المائة من الناتج الداخلي الخام)، وأن 2 % من الشركات والمقاولات هي التي تؤدي الضرائب. إذن، العائق الكبير أمام التنمية وتشجيع الاستثمارات هي رئاسة الحكومة التي تجمّد القوانين وتعطّل الدستور، خاصة فيما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة؛ الأمر الذي يشجع ويحمي الفساد ونهب المال العام (كلفة الفساد على الاقتصاد المغربي التي قدّرتها الجمعية المغربية لحماية المال العام بـ 50 مليار درهم سنويا، أي 5 % من الناتج الداخلي الخام. وهذا مبلغ مهم لدعم الاستثمار وخلق فرص التنمية). بسبب هذا الفساد احتل المغرب المرتبة الـ 86 عالميا من 180 دولة، في مؤشر “إدراك الفساد” لسنة 2020، الصادر في يناير2021، عن منظمة الشفافية الدولية.

أمام هذا النهب والفساد الذي ينخر الاقتصاد المغربي ويفوت على بلدنا فرص رفع معدلات النمو وتحسين مستوى العيش للمواطنين، يأتي البرنامج الانتخابي للبيجيدي ليعتبر أن من “إنجازات” حكومة سعد الدين العثماني “تنزيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، التي تتضمن 59 مشروعا تهم مختلف القطاعات.”

ثانيهما: الاستثمار في الفقر عبر استغلال الفئات الهشة بدءا من الأرامل لتوسيع قاعدة المنتفعين بالدعم المباشر ليكونوا خزانا للأصوات الانتخابية لا ينضب تمكّنه من تصدّر نتائج الانتخابات. فخطة البيجيدي تقوم على جعل الطبقة الوسطى مصدرا لدعم الفئات الهشة حتى ترتهن هذه الأخيرة بوجوده وترى فيه ولي نعمتها.

فالحزب لا يخفي هذه الخطة، بل يفصح عنها كالتالي (لقد اختارت الحكومة منذ البداية، وبشكل واع، أن توجه سياستها الاجتماعية بدرجة أولى إلى الفئات الفقيرة والهشة لضمان قدر من التوازن الاجتماعي). واضح أن البيجيدي يستهدف الطبقة الوسطى ويسعى لتفقيرها، ومن ثم القضاء على فرص الرفع من معدلات النمو والاستثمار والتشغيل. خطة تناقض توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بدعم الطبقة الوسطى. كان طبيعيا أن يتذيل البيجيدي نتائج الانتخابات بعدما تصدرها لولايتين متتاليتين، بسبب الفشل الذريع في تسيير الشأن العام على المستوى الحكومي والمحلي. فالناخب المغربي يقيس جدوى البرامج الحكومية بمعيشه اليومي ومستوى الخدمات الاجتماعي التي توفرها له القطاعات الحكومية. إلا أن ردّة فعل الناخبين المغاربة كانت قوية وقاسية ضد البيجيدي عبروا من خلالها عن سخطهم على قيادة الحزب وأعضائه بسبب الاستغلال السياسوي للدين والنفاق الاجتماعي الذي ميز وزراء/وزيرات الحزب ونوابه/نائباته، إذ يقولون ما لا يفعلون ويأتون ما يحرّمون، وينقضون الوعود التي وعدوا بها الشعب.

انتهى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock