مدارات

الباحث في علم الاجتماع السياسي قوادري قادة يكتب عن المالتوسية بين النظرية والتطبيق: قراءة في أزمة وباء كورونا

بعيدا عن مصدر وباء كورونا، أهو من صنع المخبر أي الإنسان أم هو (من إفرازات الطبيعة)، فكلا الفرضيتين مطروح بشدة ومؤجل النقاش عنها إلى ما بعد الانتهاء من القضاء على الوباء، إلا أن النقاش من شاكلة هذا الموضوع قد طرحه رجل الدين (قس بروتستانتي) وعالم اقتصاد سياسي انجليزي وهو “روبرت توماس مالتوس” (1766_1834)، نشر مقالا حول السكان أورد فيه أن الموارد الغذائية تزداد بمتتالية حسابية: 4.3.2.1…. بينما يتزايد السكان بمتتالية هندسية أي: 32.16.8.4.2.1… وهذا التزايد غير المتكافئ يؤدي حتما إلى اختلال التوازن بين موارد الغذاء وعدد السكان، ويرى بأن بؤس الفقراء يعود إلى زيادة السكان، وهو من المنادين بقطع مساعدة الدولة للفقراء لأن مساعدتهم تشجيع على الكسل والتواكل، وبالتالي كان لهذا الليبرالي المتطرف، كما يصفه خصومه، التأثير في الساحة الفكرية العالمية فأضحت المالتوسية (نسبة إلى مالتوس) مذهبا في الاقتصاد والديمغرافيا، ويرى هذا المذهب بأن فقدان التوازن بين موارد الغذاء والسكان سوف يؤدي بالضرورة إلى الحروب والصراعات الدموية والكوارث الإنسانية، ويرى (المذهب) بأنه من غير المنطقي المواصلة في هذا النهج، فالحتمية تفرض علينا إرجاع قاعدة التوازن حتى نضمن استمرارية الإنسانية، وهذا ما ذهبت إليه حتى المالتوسية المحدثة، فهي، بطريقة غير مباشرة، تبارك الحروب والكوارث حتى يكون التوازن موافق لطرفي المعادلة موارد الغذاء والسكان.

وقد أثرت نظريته (مالتوس) في كثير من المفكرين والساسة، بحيث ظهرت سياسة تحديد النسل في العديد من الدول بعدما كانت محرمة دينيا، وحتى داروين (صاحب نظرية التطور) أقر أن بعض أفكاره استقاها من مالتوس.

ومن هذا التسبيب النظري، ألا يشبه العالم اليوم العالم خلال العقد الرابع من القرن العشرين، أي بعد صعود اليمين في الأنظمة الغربية وبروز الخطاب الشعبوي المبني على دغدغة العواطف والابتعاد عن العقلنة؟ وخاصة خلال ثلاثينيات القرن الماضي والتي انتهت بخيار الحرب العالمية الثانية.

فالأزمة الاقتصادية هي ظاهرة في الاقتصاد الرأسمالي الحر تنشأ بسبب اختلال التوازن بين الإنتاج والأسعار والاستهلاك والمداخيل والمضاربات والانهيار المالي، وهذا ما حدث مع نهاية 2019 وبداية ظهور وباء كورونا، وكيف أن الصين نجحت إلى حد ما من احتواء هذا الوباء، وأن الولايات المتحدة الأمريكية مازالت تصارع من أجل تطبيق نظرية مالتوس كما عبر بها ضمنيا الرئيس دونالد ترامب بأن الحجر الصحي في البيوت يدمر أمريكا (نظرة اقتصادية بحتة)، وحتى تساهل كذلك المملكة المتحدة باتخاذ إجراءات الحجر الاستباقي لمنع انتشار الوباء، يدعو إلى كثير من المساءلة.

وفي الأخير…

أتساءل: هل توجد علاقة تطبيقية بين نظرية مالتوس وبين انطلاقة وتطور فيروس وباء كوفيد 19 المدعو كورونا؟ وهل من مخرجات تطبيق هذه النظرية هي حتمية مواجهة مسلحة كما نصت عليه النظرية ضمنيا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock