ملفات أضواء

التنوع القبلي في جنوب السودان وارتباطه بالصراع السياسي (تقرير من جنوب السودان)

تذخر دولة جنوب السودان بتعددها القبلي الفريد من نوعه في القارة الافريقية، إذ تسكنها اكثر من "65" مجموعة قبلية تتوزع في مساحة تقدر ب248,777 ميل مربع،و هي مساحة جنوب السودان.

سايمون دينق – صحافي من جنوب السودان

لكل قبيلة خصوصيتها الاجتماعية والثقافية التي تميزها عن غيرها، ولكن بعض القبائل تجمعها ثقافة ولغة مشتركة فيما بينها رغم اختلاف بعض العادات المتبعة في نمط الحياة، وبحسب الباحثين  تنقسم قبائل جنوب السودان الي ثلاث مجموعات رئيسية وهي، “1” النيليون، اي القبائل النيلية، “2” النيليون الحاميون “3” القبائل البانتوية.

القبائل النيلية

يعتبر النيليون من اكبر المجموعات القبلية في جنوب السودان ويمثلون نسبة تقدر بحوالي  “65%” من سكان جنوب السودان مجتمعة وتضم القبائل ذات النفوذ السياسي والاجتماعي الأكبر ، على راسهم قبيلة “الدينكا” التي تشكل لوحدها حوالي”40%” من تعداد سكان جنوب السودان البالغ عددهم “12 مليون نسمة” حسب التقديرات الرسمية وهي قبيلة تعتمد على رعي الابقار  في نظمها الحياتية، وينحدر من الدينكا الزعيم التاريخي ومؤسس الحركة الشعبية الدكتور الراحل: جون قرن قدي مبيور، بالاضافة الي رئيس جنوب السودان الحالي “سلفاكير ميارديت” وكبير مستشاري رئيس الجمهورية المهندس: كوال منيانق جوك، ووزير الاعلام مايكل مكوي لويث.. وغيرهم

تنتشر بطون “الدينكا” المختلفة في سبع ولايات من جملة عشرة ولايات في جنوب السودان وتجمعهم لغة واحدة (طونق جييق) يتحدثون بها بلكنات مختلفة، بمعنى آخر، الدينكا هم سكان كل من” ولاية واراب، البحيرات، شمال بحر الغزال، غرب بحر العزال، اعالي النيل، جونقلي، الوحدة، وتشاركهم قبائل اخرى هذه الولايات.

لا يملك الدينكا سلطة تنفيذية مركزية وعوضا عن ذلك أسسوا نظما عشائرية مستقلة، ومترابطة في الوقت ذاته وعلى رأس كل عشيرة سلطان.

وتأتي قبيلة “النوير” في المرتبة الثانية من حيث العدد والانتشار الجغرافي وتعود أصولهم مع الدينكا حسب الباحثين إلى أصل واحد. ويعتمد مجتمع قبيلة النوير في معيشته على تربية الماشية «البقر» وله عدة بطون اشهرها ( بول وحاق) توحد بينهم لغة مشتركة واحدة (طونق ناس).

وحسب الانتشار الجغرافي فالنوير هم سكان كل من ولاية الوحدة، اعالي النيل، جونقلي، الي جانب قبائل اخرى،.. ويمثل النوير نسبة “20%” من سكان جنوب السودان بنسبة تقدر بحوالي 2 مليون نسمة.

ابرز قادة قبلية نوير، النائب الاول لرئيس جنوب السودان الحالي، الدكتور: ريك مشار تينج ضرقون، ووزيرة الدفاع السابقة السيدة: انجلينا تينج، واخرين.

في المرتبة الثالثة للقبائل النيلية الكبيرة والمؤثرة  في جنوب السودان بعد الدينكا والنوير، تاتي قبيلة “الشلك” وهي قبيلة تحسب كامتداد لمجوعة قبائل “اللوه”.

تنقسم  قبائل اللوه إلى مجموعتين رئيستين : الأولى اتجهت جنوباً وتكون منها قبائل الأشولى، وألور، ولانقو، بالإضافة إلى قبائل صغيرة أخرى تسكن دولة يوغندا المجاورة.

أما المجموعة الثانية فاتجهت شمالاً ودخلت بحرالغزال حيث آثرت مجموعة صغيرة منها البقاء والاستقرار مكونة قبيلة اللوه ببحر الغزال و”جور بيل”، و”بلندا”. أما الفصيل الرئيس فواصل الرحلة شمالاً وعبر النيل ليؤسس مملكة الشلك، بينما تفرعت مجموعة صغيرة واتجهت شرقاً لتكون قبيلة الأنواك.

ينحصر  وجود قبيلة “الشلك” في ولاية اعالي النيل وهي قبيلة (رعوية) تربي الابقار مثلها مثل الدينكا والنوير .. تمثل  الشكلك حسب التقديرات نسبة تقدر بحوالي”5%” من سكان جنوب السودان  وللشلك نظام سياسي مركزي تحت قيادة ملك أو سلطان يطلقون عليه لقب “الرث” أبرز قادة  الشلك المعروفين وزير خارجية السودان السابق الدكتور: لام اكول اجاوين، والامين العام لحزب الحركة الشعبية الحاكم سابقا السيد: باقان اموم.

الدكتور لام اكول احد ابرز القادة السياسين في جنوب السودان من قبيلة الشلك
الدكتور لام اكول احد ابرز القادة السياسين في جنوب السودان من قبيلة الشلك

النيليون الحاميون

اشهر القبائل النيلية الحامية هي قبيلة الباريا الي جانب قبيلة التوبوسا والمنداري والتوركاتا  في اقليم الاستوائية اقصي جنوب جنوب السودان، ولكل مجموعة من قبائل النيلية الحامية نظم وعادات خاصة بها  ولكن قبيلة الباريا تجمع تحت مظلتها اكثر من سبع قبائل في لغة واحدة.

تتنشر قبيلة الباريا على امتداد ضفتي النيل، في قلب أرض الباري، تقع القرى التاريخية للباري، مونگالا، لادو، گوندوكورو، (كوندوكورو)، ورجاف (راگيف). كما تعتبر مدينة “جوبا” عاصمة جنوب السودان، ضمن أرض الباري، والتي تقع على بعد عشرة أميال جنوب گوندوكورو، وسبعة أميال شمال الرجاف.

تعتمد قبيلة الباريا في نظم حياتها على زراعة المحاصيل المحلية والذرة الشامي” يقدرعدد أفراد قبيلة الباري بحوالي ” 475.004″ نسمة، لكن بعض المصادر غير المؤكدة تشير الي انها ثالث اعرق قبيلة في جنوب السودان بعد الدينكا والنوير وللباريا امتداد قبلي خارجي في دولتي اوغندا والكنغو الديمقراطية.

فتاة من قبيلة الباريا
فتاة من قبيلة الباريا

ابرز قادتها السياسية نائب رئيس جنوب السودان الحالي الدكتور: جيمس واني ايقا، ووزير الداخلية الاسبق ألفريد لادو قوري

اللغة الأم لشعب الباريا هي لغة الباري، التي تنتمي لعائلة اللغات النيلية الصحراوية.

القبائل السودانية البانتوية

تشمل القبائل البانتوية مجموعة “قبائل الفراتيت”مثل  الزاندي، الكريش ومادي، بونقو وغيرها..وتنتشر في كل من ولاية غرب بحر الغزال، غرب الاستوائية ، وابرز مناطقها، يوبو، طمبرة المدينة، موبوي، مابيا، نعاندي، ينقري، سارسيوبو، إيزو، دابيو، رينقاسي، إنزارا، رونقو، ساكوري، نابياباي، مدينة يامبيو وهي عاصمة ولاية غرب الاستوائية، بازونقوا، بنقسو، إيبا، مانقوا بالإضافة إلى جزء من  مدينة مريدي. كما لقبائل الفراتيت امتداد خارجي في دول الجوار في جمهورية افريقيا الوسطى والكنغو الديمقراطية.

تعتبر الزاندي” من اكبرقبائل المجموعة البانتوية “الفراتيت”، ويقدرعددها حسب بعض التقديرات غير المؤكدة بـ”مليون نسمة”

وتوروبو بيني ريكيتو ملك الأزاندي الجديد
وتوروبو بيني ريكيتو ملك الأزاندي الجديد

ابرز قادة قبائل “الفراتيت” وزير الخدمة العامة في جنوب السودان، جوزيف بنقاسي باكسورو ووزير السياحة والحياة البرية “رزق زكريا حسن.

يمكن توزيع الخارطة الجغرافية للقبائل في جنوب السودان حسب التقسيم الاداري للولايات العشرة على النحو التالي:

قبائل ولاية اعالي النيل

تقع ولاية اعالي النيل في شمال شرق دولة جنوب السودان وعاصمتها مدينة  “ملكال” وتنقسم إلى عشرة مقاطعات و70 وحدة ادارية  وتبلغ مساحتها 77.283 كيلومتر مربع.

تسكنها خمسة قبائل رئيسية وهي، 1ـ قبيلة “الشلك”، 2 ـ الدينكا، 3 ـ النوير، 4 ـ المابان،5ـ برون الكوما.

قبائل ولاية جونقلي

تقع ولاية جونقلي في شرق  دولة جنوب السودان ولها حدود مع دولة اثيوبيا المجاورة من ناحية الشرق،عاصمتها مدينة  “بور”  وتنقسم إلى إثني عشر مقاطعة و 7 وحدة ادارية وتبلغ مساحتها 122.581 كيلو متر مربع.

تسكنها “ست” قبائل رئيسية وهي: 1ـ  قبيلة المورلي، 2 ـ الدينكا، 3 ـ النوير،4 ـ  انيواك، 5 ـ جيه، 6 ـ  كاشيبو.

قبائل ولاية الاستوائية الوسطى

ولاية الاستوائية الوسطى وعاصمتها  مدينة “جوبا” هي عاصمة دولة جنوب السودان، تقع في جنوب جنوب السودان وتنقسم إلى ستة مقاطعات و 45 وحدة ادارية وتبلغ مساحتها 43.033 كيلومتر مربع، تسكنها “12” قبيلة” وهي:  1 ـ منداري، 2ـ  فوجولو ،3 ـ  ووندروبا، 4 ـ باريا،5 ـ  كوكو، 6 ـ نيانقوارا،7 ـ  كاكوا،8 ـ كيليكو، 9 ـ افوكايا، 10 ـ تيجور، 11 ـ باكا، 12 ـ موندو، .

قبائل ولاية غرب الاستوائية

تقع ولاية غرب الاستوائية في جنوب غرب  دولة جنوب السودان وعاصمتها مدينة يامبيو وتنقسم إلى عشرة مقاطعات و 48 وحدة ادارية، وتبلغ مساحتها 79.343 كيلومتر مربع.خريطة ولاية غرب الستوائية تسكنها قبائل ثماني قبائل رئيسية، 1 ـ أفوكايا ، 2 ـ زاندي ، 3 ـ باكا ، 4 ـ مورو ،5 ـ  مندو،  6 ـ بلندا، 7 ـ مورو، 8 ـ موروكودو.

قبائل ولاية شرق الاستوائية

تقع  ولاية شرق الاستوائية في جنوب شرق  دولة جنوب السودان وعاصمتها مدينة  توريت وتنقسم إلى ثمانية مقاطعات و53 وحدة ادارية وتبلغ مساحتها 73.472 كيلومتر مربع.

تسكنها 18 قبيلة وهي 1 ـ أشولي 2 ـ مادي 3 ـ  تبوسا 4 ـ جيه 5 ـ نينقاتوم 6 ـ ديدينقا 7 ـ بويا (لاريم) 8 ـ لاتوكا (لوتوهو) 9 ـ لوفيت 10 ـ لانقو 11 ـ فيري (لوكورو) 12 ـ لوكويا 13 ـ إماتونق 14 ـ تنيت 15 ـ إفوتو 16 ـ لوقير 17 تيت 18 ـ دونقوتونا

قبائل ولاية البحيرات

وتقع ولاية البحيرات وسط جنوب السودان عاصمتها مدينة “رمبيك” وتنقسم إلى ثمانية مقاطعات و 49وحدة ادارية وتبلغ مساحتها 43.595 كيلومتر مربع

تسكنها ثلاثة قبائل رئيسية وهي 1ـ الدينكا، 2 ـ جوربيل، 3 ـ اتوت

قبائل ولاية واراب

تقع ولاية واراب في وسط شمال جنوب السودان وعاصمتها “كواجوك”وهي مسقط راس رئيس جنوب سلفاكير، وتنقسم إلى سبعة مقاطعات و 47 بيام وتبلغ مساحتها 45.567 كيلومتر مربع.

تسكنها ثلاثة قبائل وهي 1 ـ الدينكا، 2 ـ بنقو، 3 ـ  جورمان انقير( جورويير)

قبائل ولاية شمال بحر الغزال

تقع ولاية شمال بحر الغزال شمال غرب جنوب السودان وعاصمتها مدينة “أويل: وتنقسم إلى خمسة مقاطعات و39 وحدة ادارية وتبلغ مساحتها 30.543 كيلومتر مربع.

تسكنها قبيلتان فقط وهما، 1ـ الدينكا، 2 ـ جورشول.

قبائل ولاية غرب بحر الغزال

تقع ولاية غرب بحر الغزال في غرب شمال جنوب السودان، ويربطها حدود مشترك مع كل من دولة السودان وجمهورية افريقيا الوسطى وعاصمتها مدينة “واو” وتنقسم إلى ثلاثة مقاطعات و16 وحدة ادارية وتبلغ مساحتها 91.076 كيلومتر مربع. تسكنها “20” قبيلة، وهي 1 ـ بلندا (بوور) 2 ـ بلندا (بفيري) 3 ـ جورشول،4 ـ أندوقو، 5 ـ كريش، 6 ـ الدينكا، 7 ـ باي ،8 ـ شات، 9ـ أجا، 10ـ نقولنقولي،11 ـ سيري، 12 ـ قولو، 13ـ يولو، 14ـ وارو، 15ـ منقايات، 16 ـ فروقي، ـ 17 باندا، ـ 18، بينقا ـ 19 كارا ـ 20 ـ إنديري

قبائل ولاية الوحدة

تقع ولاية الوحدة في شمال  دولة جنوب السودان ويربطها حدود مشترك مع دولة السودان وعاصمتها مدينة “بانتيو”  وتنقسم إلى تسعة مقاطعات و 73 وحدة ادارية وتبلغ مساحتها 37.837 كيلومتر مربع… تسكنها قبيلتان وهما، 1ـ النوير، 2 ـ الدينكا

التاثير القبلي على العملية السيياسية في جنوب السودان

عاني جنوب السودان على مر تاريخه ” قبل وبعد استقلاله عن السودان من الصراعات القبلية المميتة اقعدته عن النهوض ردحا من الزمان، وعاش مواطنه في فقر مدقع وحالة من التوهان والنزوح الذي لا ينقطع بالرغم من ان جنوب السودان يعد ثالث أكبر احتياطي نفطي في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بعد أنغولا ونيجيريا، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة، وتتميز دولة الجنوب عن الدول الأخرى المنتجة للنفط في أفريقيا، بأن 90% من احتياطيات النفطية  للبلاد ما زالت غير مستغلة وادت هذه النزاعات القبلية المستمرة إلى حدوث عجز في  وظائف الدولة من الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين في تقديم الخدمات.

الصراع القبلي مرتبط بالسياسة في جنوب السودان

بدأت بوادر الصراع القبلي المرتبط بالسياسة في نسخته الحديثة بعد عامين من عمر استقلال جنوب السودان عن السودان 2011، وقتها اعفى الرئيس سلفاكير نائبه ريك مشار من منصبه في يوليه 2013 وشملت قرارات الاعفاء ايضا  قادة بارزون في الحكومة وكان أكبر تغيير وزاري شهده جنوب السودان بعد الاستقلاله، كما احال الرئيس كير الامين العام للحزب الحاكم “باقان اموم” الي التحقيق بعد ان وجه الاخير انتقادات لاذعة لحكومة الرئس سلفاكير.

رئيس جنوب السودان سلفاكير ونائبه الاول د. ريك مشار
رئيس جنوب السودان سلفاكير ونائبه الاول د. ريك مشار

في اكتوبر 2013م بدأ القادة السياسيون المستبعدون  من الحكومة حملة مكثفة داخل حزب الحركة الشعبية الحاكم تهدف الي تغيير قيادة الحزب والحكومة عن طريق عمل سياسي تعبوي، صاحبته حملات إعلامية ضد الرئيس سلفاكير، وتزامنت هذه الاحداث مع انعقاد مجلس التحرير وهو أعلى جسم في حزب الحركة الشعبية، وانفض سامر الاجتماع دون التوصل الي اي نتيجة بسبب تفاقم الخلافات بين الرئيس كير ونائبه السابق ريك مشار.

اعلن الرئيس سلفاكير  لاحقا في مؤتمر صحفي ان حكومته أحبطت محاولة انقلابية فاشلة يقف خلفها نائبه المقال ريك مشار، وهي تهمه ظل الاخير ينفيهاعن نفسه مرارا، ولكن اعلان الرئيس كير تبعه حملة اعتقالات واسعة شملت العشرات من قادة حزب الحركة الشعبية وعدد من الوزراء المقالين.

في ليلة 15 ديسمبر 2013 اندلعت اولى المواجهات قبلية مباشىرة  في مدينة جوبا، عاصمة جنوب السودان بين قوات موالية للرئيس سلفاكير المنتمي لقبيلة “الدينكا” وقوات موالية لنائبه المقال ريك مشار المنحدر من قبيلة “النوير”، نتج عنها الاف الضحايا من المدنيين العزل بين قتيل وجريح .

وخلال فترة وجيزة من احداث مدينة جوبا انتقل الصراع القبلي المميت سريعا ليشمل انحاء أخري من البلاد بسبب حدوث انشطار رأسي للجيش الوطني في جميع الوحدات العسكرية التي يتكون اغلب عناصرها من القبليتين المتصارعتين (الدينكا والنوير) فانفجر الوضع في مدينة ملكال عاصمة ولاية اعالي النيل ثم  تبعتها مدينة بور عاصمة ولاية جونقلى ، وبانتيو عاصمة ولاية الوحدة. وكنتيجة حتمية انشطر كذلك الحزب الحاكم نفسه الي اجنحة ومجموعات متناحرة فيما بينها، ولحق به البرلمان الوطني.
بعد عامين من حرب مدمرة ـ اي ـ في يوم ١٧ اغسطس ٢٠١٥م وقع الرئيس سلفاكير اتفاق سلام مع نائبه السابق الدكتور ريك مشار داخل عاصمة البلاد جوبا بالرغم من تحفظه على عدد من البنود، قبل “كير” بالتوقيع تحت ضغوط دولية وأميركية وتهديد بفرض المزيد من العقوبات على حكومته حال رفضه للتوقيع، وقتها كانت تقارير إعلامية نسبت لمتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيري تفيد بإن واشنطن ستحاسب الزعماء الذين ينتهكون اتفاق السلام في جنوب السودان ، وأكد كيري عدم اعتراف واشنطن بتحفظات الرئيس سلفاكير تجاه عملية السلام.

وبموجب ذلك  الاتفاق عاد الدكتور ريك مشار الي منصبه القديم (نائبا أولا للرئيس سلفاكير) غير ان الامور لم تسير حسب التوقعات، سرعان ما انفجر الوضع من جديد في ظرف اقل من ستة شهور منذ تشكيل الحكومة الانتقالية الاولي وعاد الاحتراب القبلي الي الواجهة من جديد داخل مدينة جوبا بين قوات الرئيس سلفاكير ونائبه الاول الدكتور ريك مشار في يوليو 2016، اضطر الاخير بعد هزيمة قواته داخل العاصمة بالسير علي قدميه لعدة ايام وسط الادغال رفقة قواته حتى حدود دولة الكنغو المجاورة وانهارت اتفاقية السلام الموقع بينهما والتي كانت ترعاها امريكا وكتلة الايغاد.

وفي 7 مارس 2017 أعلن نائب رئيس الأركان في الجيش الحكومي بجنوب السودان الجنرال توماس سيريلو سواكا المنحدر من قبيلة “الباريا” في اقليم الاستوائية عن تشكيله لحركة تمرد جديدة للإطاحة بالرئيس سلفاكير.

واتهم سيريلو، والذي أطلق على حركته الجديدة اسم جبهة الإنقاذ الوطني، قيادة الجيش الحكومي بادارة الجيش على أسس عرقية، مضيفا انه على قناعة تامة أنه يجب على سلفاكير مغادرة منصبه حتى تعود الحياة الطبيعية إلى جنوب السودان وحقن  دماء” الجنوبيين.

رئيس حركة جبهة الخلاص المسلحة الجنرال توماس سيريلو
رئيس حركة جبهة الخلاص المسلحة الجنرال توماس سيريلو

اضاف تمرد الجنرال سيريلو واقعا وبعدا جديدا على خارطة  الصراع القبلي في جنوب السودان بعد ان انضم الي حركته ابناء قبيلته بالاضافة بعض الشباب من مجتمعات قبائل الاستوائية الغاضبين من استيلاء المجتمعات القادمة من ولايات بحر الغزال والاقاليم الاخرى على اراضيهم في عاصمة البلاد جوبا وضواحيها، اذ اصبح الصراع يأخد بعدا مناطقيا، ولازالت حركة توماس شريلو ترفع السلاح في وجه حكومة الرئيس سلفاكير حتى اليوم.

كيانات قبلية مؤثرة في صنع القرار السياسي

(مجلس كبار اعيان قبيلة الدينكا)

شهدت الساحة السياسية بعد أحداث ١٣ ديسمبر ٢٠١٣ لاول مرة بعد الاستقلال، ميلاد كيان قبلي يعتقد على نطاق واسع بانه لعب دورا مؤثرا في صنع القرار السياسي  في البلاد ،  وهو ما يعرف ب” مجلس كبار أعيان الدينكا”،  هذا الجسم عبارة عن كيان سياسي قبلي كونه كبار السياسيين المنتمين الي قبيلة الدينكا،  ابرز اعضائه، امبروز رينق الذي يشغل منصب رئيس المجلس، وعضوية الدكتور “الدو أجو”  وآخرين..  وفي اول بيان له بُعيد تكوينه،  قال المجلس” إن مجلس أعيان الدينكا وجد من أجل حماية قبيلة الدينكا ومصالحها من الاستهداف الخارجي والداخلي وبناء علاقات متوازنة مع المجموعات القبيلة الأخرى في جنوب السودان.

رئيس كبار اعيان الدينكا-امبروز رينق
رئيس كبار اعيان الدينكا-امبروز رينق

هنالك اعتقاد  سائد على نطاق واسع في جنوب السودان بأن هذا المجلس هو الدينمو المحرك لحكومة الرئيس سلفاكير ميارديت من خلف الستار ، ويزعم البعض ان الحكومة لا يمكنها اتخاذ قرار دون الرجوع إلى مجلس كبار أعيان الدينكا، ويستشهدون بقرار تقسيم البلاد الي ٢٨ ولاية بدلا من عشرة ولايات، وهو القرار الذي اصدره الرئيس سلفاكير في اكتوبر ٢٠١٥م ثم تراجع عنه لاحقا بعد ثلاثة سنوات  تحت ضغوط الخارجيه، ولقد  ظهرت اول وثيقة مسربة للقرار  عند مجلس كبار أعيان الدينكا كاقتراح منه، ثم أصبح فيما بعد قرارا حكوميا مطبقا على أرض الواقع، وعارضته الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة التي يقودها رياك مشار باعتبار أن موضوع تقسيم الولايات يتعارض جملة وتفصيلا مع اتفاق السلام الموقع بينه مع الحكومة والذي تم تصميمه على عشرة ولايات وليس ٢٨.

الجدير بالذكر  مجلس كبار أعيان الدينكا لا يحظى بتأييد اغلب بطون الدينكا رغم عن تأثيره الكبير على القرار السياسي الحكومي.

كيان “مجتمع الباريا

هو كيان قبلي سياسي اجتماعي خاص بقبلية “الباريا” في ولاية الاستوائية الوسطى، تم تأسيسه في عام  ٢٠٠٨م قبل استقلال جنوب السودان عن السودان  برئاسة السياسي المخضرم ” الفرد لادو قوري” الذي شغل حقيبة وزارة الدخلية في الحكومة الانتقالية الاولى عن المعارضة المسلحة التي يقودها النائب الاول د. ريك مشار..

، للكيان  تأثير كبير على السياسات وقرارات الحكومة الولائية التي تدير شئون عاصمة  البلاد جوبا، غير ان “كيان مجتمع الباريا”  معني في  المقام الاول بالدفاع عن قضايا الارض التي يقول قادته أن الوافدين الجدد من ولايات بحر الغزال وغيرها صوب العاصمة قد استولوا على اراض القبيلة دون وجه حق، ونادوا بترحيل العاصمة من أرضهم الي مكان آخر .. ومن هنا اعتمدت الحكومة القومية قرار لم يتم تنفيذه حتى اللحظة، وهو ترحيل العاصمة من جوبا الي المدينة المقترحة “رامشيل”  بولاية البحيرات المجاورة معقل قبيلة الدينكا.

في شهر يوليو الماضي، جمد محافظ مقاطعة جوبا المهندس شارلس جوزيف نشاط “كيان مجتمع الباريا” واحال رئيسه الجديد  “فيتا لاكو” الي التحقيق بعد وقوع خلافات حادة وقعت بين قيادات الكيان ومحافظة جوبا.

رئيس كبار اعيان قبيلة الباريا-استيفن فيتا لاكو
رئيس كبار اعيان قبيلة الباريا-استيفن فيتا لاكو

يوجد هنالك كيانات قبلية سياسية عديدة ومؤثرة في الساحة السياسة في جنوب السودان مثل “كيان مجتمع بور” وكيان مجتمع قبيلة الشلك، وكيان قبلية النوير … الخ.

مسببات الاستقطاب القبلي

يقول الباحث والمحلل السياسي: اتيم سايمون، ان دورالموازنات القبلية وتدخلها السافر في مجال العمل السياسي والتاثيرعليه مرده في المقام الاول هو ضعف الاحزاب السياسية في البلاد، فالاحزاب السياسية وفقا لـ”اتيم سايمون غير قادرة على طرح برامج سياسية واضحة المعالم في اطار قومي يجتمع حولها الناس كهوية ثانوية، ويتضح انه في ظل غياب البرامج او الرؤية السياسية لدى الاحزاب تجعلها تلجأ الي استقطاب مناطقي لحشد عضويتها، ويواصل ليقول”سايمون” فان الاستقطاب المناطقي الذي تمارسه بعض المجموعات والاحزاب واحدة من الازمات الكبيرة التي جعلت جنوب السودان تعيش في دوامة هشاشة سياسة مستمرة،

الكاتب الصحفي، الباحث والمحلل السياسي-اتيم سايمون
الكاتب الصحفي، الباحث والمحلل السياسي-اتيم سايمون

فأثر ذلك على الواقع السياسي والامني في جنوب السودان حسب التجربة الخطيرة جدا،  لانه متى ما تم تغييب مجموعة او اثنين، تلجأ الي الاستقطاب القبلي المناطقي وتكون لنفسها  قوة مسلحة متمردة من اجل المطالبة بحقوق سياسية، لعدم وجود ادوات احتجاج سياسية سلمية في البلاد، ويضف سايمون، الاستقطاب القبلي في جنوب السودان هو ارخص وسائل الاستقطاب السياسي ونجد انه حتى  الاحزاب السياسية تعمل بنظام التمثيل القبلي والمناطقي اكثر من حاجتها الي تطبيق اللوائح التي يحتويها دستور الحزب.. ولهذا هناك احزاب ينظر لها الناس على انها تمثل اثنية معينة او منطقة معينة في الواقع السياسي وينطبق الامر على التمثيل الحكومي.

هذا الواقع ينذر بخطر وتهديد دائم للاوضاع السياسية والامنية  الهشة في البلاد اذا سارت الموازنات في غير صالح المجموعات التي لها قدرة على التاثير وهي تملك السلاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock