مدارات

التوت من “حرب الفراوله” إلى “واقعة للا ميمونة”

للمخرج المصري الكبير، خيري بشارة، فيلم كبير شارك فيه كبار تقدمتهم يسرا، التي كان على يمناها محمود حميدة، وعلى يسراها  سامي العدل،  وكان ذلك سنة 1994.

هذا الفلم استطاع أن يشغل الناس طويلا بفعل موضوعه الجديد قياسا مع مواضيع سينما ذاك الزمن، إضافة إلى خصوصيات مخرجه التي لا تخلو من استفزاز.

وليس بغريب على الفراولة أن تشغل العباد، لا لأنها فاكهة مغرية، ولكن لطبيعة رمزيتها الدلالية المحيلة على: الطري، الرهيف،  الأخاذ بلونه …

ووجب، لفهم هاته الإحالة، أن نتذكر أن الفراولة، هي النسخة المزيدة والمنقحة ل “التوتة”، تلك الشجرة التي تثمر توتا لذ وطاب، وورقها  كساء وغذاء لأشهر دودة في النقاء، إنها دودة القز.

ولذلك، فلا عجب مطلقا من أن يصف المغاربة ذات الحسن والكمال ب “التوتة”، بدل اجترار ما تزخر به القواميس من مفردات وصف الحسن المترادفة.

وللإخوة “الأقباط” في مصر، شهر مقدس إسمه “توت”، كما كان للفراعنة إله يحمل نفس الإسم، أو إسما مركبا من أسماءٍ في مقدمتها “توت.”

وحدث أن انقرضت شجرة التوت -أو كادت- فتسيدت الفراولة بقوامها المخروطي وزهرتها البيضاء ولونها الأحمر.

وإذا كان الوصول إلى ثمر شجرة التوت يقتضي صعود الشجرة، فإن الوصول إلى الفراولة يقتضي الانحناء أرضا، والوضعان  معا مكلفان، وأحلامهما مر، لكن ما الحيلة لبلوغ الطيب الحلو؟!، والمْلِيحْ بْثَمَنُو.

لكن -وما أغرب لكن-، ها قد أتى زمن أصبحت فيه الفراولة “فأل سوء”، وما عادت “التوتة” تغري، بل أصبح ذكر اسمها مقززا مرتبطا بالمأساة، وأصبحت نذير شؤم لا غير.

ذلك أن الفراولة التي اشتعلت من أجل نيلها والتفرد بها حرب (خيري بشارة)، ها هي الآن تشعل حربا خارج بلاطوهات السينما، وبالضبط في امتداد غرباوي باذخ بكل صنوف الفاكهة .

فمن يسرا نجمة سينما العرب إلى للا ميمونة، نجمة خصوبة الغرب – المغربي- التي اعتلت سلم مؤشر الوباء اللعين، بين عشية وضحاها، حيث أضحت تربة للا ميمونة، البؤرة الولود لفيروس الكوفيد في تحد صارخ لكل الحسابات وكل التوقعات وكل الترتيبات.

إنها الفراولة ثانيا وثالثا و…..، وها هي تصب الزيت في نار كورونا التي خلنا في الأمس أنها تصارع لحظات السكرات.

الآن، يتأكد أن سقوط أوراق التوت يعري ويعري…، نعم وقد عرى اليوم السلوك الأرعن لكل الذين استهانوا بالحقيقة المرة، حين استصغروا العدو الخفي، وسعوا في الأرض يبغون التوت والفراولة، لكن بدون الوسيلة حيث ألقوا ب “الكمامة” أرضا، أو جعلوها قلادة في الجيد .

إن الساعي إلى الفراولة بدون تدبير وقائي، كالساعي إلى الهيجاء بلا سلاح.

لطفك يا الله

سلا يوم 19 يونيو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock