العالم

فرنسا تواجه دلتا وأوميكرون تحت شعار “صوموا” تصحوا !

بدا رئيس الوزراء الفرنسي جون كاستيك ووزيره في الصحة أوليفيي فيرون، أكثر تفائلا، بخصوص الأزمة الصحية، وهما يتحدثان في الندوة الصحفية التي أعقبت مساء اليوم، مجلسا الدفاع الصحي بفرنسا.

وفي محاولة لتوضيح الوضع في البلد واتخاذ إجراءات جديدة، وبعليمات من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تم اتخاذ عدة قرارات استثنت حظر التجول بمناسبة السنة الميلادية الجديدة، لكن دون التهويل من وقع المتحور أوميكرون، مع التعجيل بالتلقيح، حتى يشمل كذلك الأطفال ما بين 5 و 11سنة، مع تذكير كل ثلاثة أشهر.

فلماذا لم تهول حكومة ماكرون الأزمة الصحية التي تضرب فرنسا والعالم أجمع منذ أسابيع، ولماذا لم يتم اتخاذ إجراءات كالحجر الصحي، وحظر التجول، وإغلاق المدارس، والمتاجر التي تدخل في خانة الخدمات الحيوية، كما جرت العادة، رغم أن عدد الإصابات سابقا كان أقل بأضعاف مضاعفة؟

الٱن، يمتزج لدى الفرنسيين شعور بالخديعة والتهكم على قرارات الحكومة في ٱن واحد، إذ اتضح حسب طرح وزير الصحة، أن البلد يواجه موجتين مختلفتين، موجة دلتا وموجة أوميكرون، وأصبح على الفرنسيبن حسب القرارات الأخيرة، أن يصوموا داخل القطارات ووسائل النقل، تحت شعار غير معلن، “صوموا تصحوا”، ويمنع عليهم، الأكل والشرب بداخلها ولو طالت المسافات، والمضحك، أن المكان الوحيد الذي يحق لهم فيه الأكل والشرب هو المطاعم والحانات، لكن بشرط أن يتم ذلك في حالة جلوس.

ثمة إجراء ٱخر، يستدعي الإستغراب والسخرية، يتعلق بتحديد التجمعات البشرية المغلقة في ألفي شخص، والمفتوحة في خمسة ٱلاف، لكن لماذا لا تحدد السلطات مثلا، عدد الأشخاص الذين يحق لهم ولوج محطات الميترو والقطارات المكتظة، ولماذا تترك التجمعات السياسية، بمناسبة الحملات الانتخابية الرئاسية دون سقف محدد لعدد الحاضرين

فجأة، يبدو أن للحكومة خففت نوعيا، الحملات ضد الممتنعين عن أخذ اللقاح، وتتجه للتركيز على أن الوباء، وبالأخص المتحور أوميكرون، فـ “هو معدي جدا ولكنه أقل خطورة بنسبة 70 ٪ من دلتا”. ليفهم أنها تخشى ردة قوية في الشوارع، ونحن على أبواب الانتخابات الرئاسية.

والغريب، أن لا أحد، باستثناء بعض الباحثين في الأمراض المعدية من كانت له الشجاعة العلمية والأدبية، للبوح بما يكتمه الٱخرون، لا أحد غيرهم قال علانية، أن المتحور أوميكرون، فعلا، معد بشكل أكبر، لكنه غير خطير مثل دلتا.

استمرت الأضحوكة، والتهويل، وذهب الأمر ببعضهم إلى غاية مطالبة الأطباء من هنا وهناك بعدم تقديم خدماتهم لغير الملقحين من المصابين بالفيروس الملعون، وترك مكانهم للملقحين.

وتتناسى هذه الأبواق المأجورة، أن غير الملقحين يدفعون ضرائب تساهم في المصلحة العامة وسير المرافق العامة، ومنها المستشفى.

وتبعا لهذا المنطق الأرعن، هل يمكننا أن نطلب من المدخنين ترك أماكنهم في المستشفى (75000 حالة وفاة سنويا)، وكذلك مدمني الكحول (45000 حالة وفاة سنويا) للتوقف عن طلب العلاج أيضا؟ ويتركوا الأسرة لغير مدمني التدخين والكحول. أي منطق هذا، وأي إنسانية؟

فالأرقام المهولة التي تم نشرها من طرف السلطات الصحية الفرنسية ليوم السبت الماضي سجلت 104،611 حالة جديدة، وهي طبعا أرقام قياسية لم نسمع بها منذ بداية الأزمة الصحية بفرنسا. فلولا التهويل والرغبة الملحة للفرنسيين وحرصهم الشديد على قضاء ليلة الـ 25 دجنبر براحة البال، لما تزاحموا أمام المخابرات والصيدليات لإجراء 1.55 مليون اختبار في يوم الخميس الماضي، فالأرقام إذن، تعني حاملي الفيروس وليس المرضى ليس إلا.

ومقارنة بعدد الاختبارات، فالحالات المسجلة لا يمكنها أن تعكس الحجم الحقيقي لأثر الوباء، فكون الناس مصابين لا يعني حتما أنهم مرضى.

وإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن يفعل الشيء نفسه بالنسبة للأمراض “الحقيقية” الأخرى، والمزمنة حقا، حتى لا يقال أننا ندعي أن هذا المرض مختلق.

فبالمقارنة مع عدد المصابين بأمراض مزمنة، يجب التركيز أيضا على عدد المرضى، وبشكل أكبر على الأورام السرطانية أو غيرها من الأمراض التي تسبب المزيد من الوفيات أكثر من الكوفيد بكل متحوراته، إذن لنتفق جميعا أن المشكلة تأتي من إدارة المرض، وليس من الأمراض ولا حتى المرضى أنفسهم.

لنتوقف عن إلقاء اللوم على غير الملقحين، في البداية قيل لنا أنه مع نسبة 70٪ من الملقحين أو المصابين، سيكون ذلك كافيا لتكوين مناعة جماعية، فنحن نعد أكثر من 90٪، لكن ما زالت هاته المناعة محتشمة ولا تسير على ما يرام، فمن أين يأتي الخلل؟

فهل نسبة 10٪ من غير الملقحين هي التي تأزم الوضع في المستشفيات لأنه في هذه الـ 10 ٪ هناك أشخاص لا يمكن تلقيحهم لأسباب صحية أو لاختيارهم الحجر الصحي الإرادي. الأكيد، الجواب، هو لا.

فبعد أن ارتكبت الدولة أخطاء في المستشفى، بحذف العديد من الأسرة، أوجدت للفرنسيبن الموجهين بفضل ترسانة إعلامية، “الجناة” الفعليين، حتى يتم إلقاء كل اللوم على غير الملقحين لا على الدولة وسياساتها في تدبير القطاع الصحي عموما.

فلا حرج في إغلاق أقسام بالمستشفيات أو حتى حذف أسرة أو عدم التوظيف في القطاع، ففيروس كورونا يتكلف بالباقي دون إنفاق سنتيم واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock