لا إكراه في الرأي

محاصرة صحافة “المرق” والاسترزاق بوابة لتأسيس إعلام فاعل

الذي غاب فيه ادراك الصحفي للمسؤولية التاريخية المنوطة به، ليصبح لزاما السعي إلى العودة الى النخب الحقيقية والمثقفين العضويين وسحب البساط من كل صحفي يبتغي الاسترزاق من الاعلام، وينشد الطمع المادي في استرخاص صريح لذاته لمقام مهنته.

هشام زهدالي

في زمن يشهد تسارع وتيرة انتشار الأخبار، وتفريخ المواقع بشكل صارخ، وامام وفرة التدوينات، وفي فضاء عربي يتم التحكم في إعلامه، وتمارس عليه الرقابة بمختلف ألوانها، وفي الوقت الذي باتت فيه الصحافة لغة، بل تربية، فسح المجال أمام الجميع ليصبح اعلاميا وكاتب رأي بزاد المهنية، أو بالصدفة والتطفل.

هذا و يبقى الصحفي الموضوعي النزيه، والإعلامي المتمكن من مهنته والماسك بقواعدها، والماسك على أخلاقياتها، والمتشبث بالدفاع عن قداستها، هو ذاك الذي يمارس إعلامه وصحافته انطلاقا من قناعاته الراسخة، ومبادئه وأخلاقه وقيمه وتصوراته، ويسعى جاهدا ودون كلل أو مجاملة إلى تقديم مادة إعلامية مهنية موضوعية شريفة خالية من روائح الرشوة، وغير مرهونة بالتملق، لكن واقع الحال غير ذلك في الوقت الذي ابتلي فيه  الجسم الصحفي المغربي بشتى تلاوينه واتجاهاته وعبر جميع تفاصيله بأمراض مزمنة خطيرة وقاتلة تمهد الطريق في حال عدم معالجتها إلى إقبار المهنة، أو تحويلها إلى بائعة هوى يعبث بجسدها كل من هب ودب.

ففي زمن الرداءة هذا خرجت إلى الوجود كائنات محسوبة على الصحافة والصحافة بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف، تحاول بما أوتيت من قوة التملق والاسترزاق واللعق أن تبقى حية بعد أن لفظتها أمواج المهنية الحقة، وأبت إلا أن تعاكس الضمير والثوابث الأخلاقية لتسير عكس التيار دائسة على كل القيم لإغراض شخصية محضة.

الأكيد أنه ليس كل من يبث معلومة أو ينقل خبرا فهو إعلامي، على اعتبار أن المواصفات والمقومات التي تعبر عن كون الإعلامي إعلاميا ناجحاً وتعكس حقيقة تعاطيه المبدئي مع مهنته لم تعد تتوفر، في الوقت الذي

الذي غاب فيه ادراك الصحفي للمسؤولية التاريخية المنوطة به، ليصبح لزاما السعي إلى العودة الى النخب الحقيقية والمثقفين العضويين وسحب البساط من كل صحفي يبتغي الاسترزاق من الاعلام، وينشد الطمع المادي في استرخاص صريح لذاته لمقام مهنته.

لكن رغم كل هذا كيف ينبغي أن يكون هذا الإعلامي من داخل هذا الفضاء ذي الخصوصية الفريدة؟ وكيف له أن يسهم في ضمان التوازن في البنية المجتمعية التي يتفاعل من داخلها؟

إن ما نلاحظه اليوم وبشكل مثير هو تضاعف الكم على حساب الكيف، واختلاط الحابل بالنابل داخل بيت الإعلام، مما أتاح المجال للدوس على القيم كنتاج لانتشار التفسخ الأخلاقي، وما يرافقه من تسييد وبشكل مبتذل للتضليل الإعلامي، وممارسة بعض أشباه الاعلاميين وكتاب الرأي الإستحمار، بدل الانخراط في تصنيع الأفكار وبلورتها في قوالب تتماشى ومتطلبات المجتمع.

من سخرية القدر أن الأولويات قلبت وغيرت أماكنها وتم تحييد أقلام النخبة الوازنة، عن طريق آليات واساليب مقيتة لتكميم الآراء، هكذا حوصر المبدعون الحقيقيون، واعتلى الخشبة أشباه إعلاميين همهم معالجة القضايا بأشكال اعتباطية سطحية يقودها الاسترزاق وشراء الولاءات الزائفة، والركض وراء فتات موائد الاسياد.

وعطفا عليه، وتأسيسا لمنظومة إعلامية لائقة، تسهم بشكل فاعل في مسلسلات التنمية التي باشرتها الدولة المغربية، يغدو لزاما الرهان على الصحافة الحقيقية التي يكون قوامها إعلاميون حقيقيون، خاليون من شوائب تزييف الحقائق، وصناع للحقيقة، ومناهضون لكل أشكال الاختلالات المعتملة داخل المجتمع، هكذا يكون جديرا بالإعلامي الحقيقي أن يصنع وعيا ويسهم في التغيير ويغرس سلوكا، لا أن يساهم في اندحار الفكر.

فكل البناءات ستنهار لامحالة بسبب السياسيات الفاشلة الغير موجهة والتي لا تستهدف تخطيط إعلاميا رشيدا يحترم المتلقي، ويجعله ركيزة في العملية التواصلية.

الإعلامي الذي نريده اليوم هو من يؤمن بأن الرسالة الصحفية يجب أن تصل للمتلقي في طابق من الصدق والموضوعية، وأن يكون فنانا ومتقنا في معالجة الأخبار والمعلومات بعقلية لا تؤمن بسياسة الولاءات، بل بروح المبادرة مع الإحساس بجسامة المسؤولية الاجتماعية التي تفرضها المهنة أخلاقيا.

ما أحوجنا الى إعلاميين يؤمنون بالحرية والاستقلالية، يملكون من الجرأة، النزاهة والشفافية قدرا شاسعا يغنيهم عن التملق واللهث وراء السيلفيات مع الشخصيات الوازنة في اعتقادهم.

إن رهاننا الاكبر هو على تأسيس إعلام مرهون بضوابط أخلاقيات المهنة، والثقافة البناءة التّي تساهم في بناء الإنسان وتحفظ موروثه، لتفتح الطريق أمام ممتهن الصحافة لقيادة التحولات المجتمعية والسياسية والاقتصادية وكل القضايا المفصلية، ليسير في اتجاه لا تتلوث فيه أصابعه بالمرق البائت.

فبصدق يحدونا الامل في وجود إعلامي يقدم محتويات مناسبة، تليق بتحديات المرحلة التي نعيشها وتليق بقيمة القارئ الانيق والمدرك، وأن يكون هذا الاعلامي لسانا لكل فئات المجتمع واهتماماتهم في إطار الحفاظ على القيم والمبادئ التي تحفظ للمجتمع وحدته وتصون للوطن خصوصيته.

وختاما ندعو الله ان ينعم علينا بإعلاميين قادرين على النقد والسهر على المصلحة العامة، وان يجنبنا اعلاميي المرق ما ظهر منهم وما بطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock